175 مليون دولار فقط أموال الشخصيّات العامّة «الــمهرّبة»!

لم تعُد الحكومة تملك ترف الوقت في مواجهة الامتحان الصعب المتعلّق بسداد سندات «اليوروبوند». وعلى الأرجح أن الاتجاه الذي تنوي السير به هو «عدم الدفع»، فيما النقاش الحالي مع القوى السياسية يدور حالياً حول تحديد كيفية تنظيم الإفلاس والخسائر المُترتّبة عنه

دخَلت البلاد مرحلة العدّ العكسي لموعِد المواجهة «الكبرى» مع الدائنين في ما خصّ سندات «اليوروبوند» التي تستحِق في التاسِع من الشهر الجاري. بينما تتجِه الأنظار في الخارج والداخِل إلى المسار الذي ستتخذه حكومة الرئيس حسان دياب في التعامل مع هذا الاستحقاق، في خضمّ الحديث عن إعادة جدولة الدين أو الهيكلة، استناداً إلى «نصائِح» المستشارَين الدوليَّين: المالي (بنك الاستثمار الأميركي «لازارد») والقانوني (مكتب المحاماة «كليري غوتليب ستين اند هاملتون»)، بعد التفاقم في نقص الدولار وصعوبات تأمينه وانخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية. في هذا الوقت، لا يزال حاكِم مصرِف لبنان رياض سلامة مستمرّاً بألاعيبه وأسلوب المراوغة في الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها عليه رئيس الحكومة في ما خصّ موجودات المصرف، فتارة يقول إنه «في حال أصدرَ الآن شيكاً بقيمة 22 مليار دولار فسيكون قابلاً للصرف، وطوراً يقول إن الموجودات تبلغ نحو 19.4 مليار دولار». ويُحيط سلامة إجاباته بالغموض لإخفاء الواقِع، فلا يذكر إن كانَ هذا المبلغ يدخل ضمنه الاحتياطي الإلزامي غير القابِل للاستخدام، كما لا يذكر حجم التزاماته تجاه المصارف (وتالياً تجاه المودعين)، علماً بأن كل الموجودات تدخل ضمن أموال المودعين.

وحتى لو صحّت فرضية أن الرقم الذي يحدده سلامة هو من خارِج الاحتياط الإلزامي الذي تضعه المضارف في مصرف لبنان، يبقى من غير المفهوم إصراره على دفع سندات «اليوروبوند»، إذ لا يكفي المبلغ لتسديد الدفعات المستحقة وتأمين الدولارات المطلوبة لشراء الحاجات الأساسية للبنان من مشتقات نفطية وقمح ومسلتزمات طبية عامَي 2020 و2021.
وبينَ الطريق الذي يريد أن يسلكه سلامة والاتجاه الذي تنوي الدولة السير به، كانَ مفاجئاً الحديث في اليومين الماضيين عن انضمام وزير المال غازي وزني، مدعوماً بوزير المال السابق علي حسن خليل الى حزب المطالبين بدفع السندات، مع ما يعنيه ذلك من تبديد لأموال المودعين. إلا أن مصادِر بارزة في فريق 8 آذار نفت أن يكون خليل ووزني مؤيدين لتسديد السندات، مؤكدة أن «موقِف عين التينة من موضوع اليوروبوند رافِض للتسديد، والجميع أُبلِغ به». وأكدت المصادر أن «القوى السياسية المعنية تجاوزت خيار التسديد، وباتَ الاتجاه شبه محسوم لجهة عدم الدفع»، وأن النقاش الحالي يدور حول «تحديد كيفية تنظيم الإفلاس والخسائر المُترتبة عنه في المرحلة الآتية».

وقالت المصادِر إن «دفع الفوائِد يوازي دفع قيمة أصل السندات»، وبالتالي فإنها «ستستهلِك من الأموال الموجودة في مصرِف لبنان المبلَغ نفسه الذي يستهلِكه تسديد أصل الدين، ما يعني أنه لن يكون هناك جدوى من تسديد الفوائد وحدها. فإما تسديد كل شيء أو التخلف عن السداد نهائياً». هذا الأمر كان مدار بحث يومَ أمس في عين التينة التي شهدت اجتماعاً جمع بين رئيس الحكومة حسان دياب ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ووزير المال غازي وزني. وفي هذا الإطار، أكدت مصادر مطلعة أن عين التينة تعتبر أن الأولوية «تحصين البلد والذهاب إلى التفاوض مع الدائنين».
وفيما اتهمت مصادِر 8 آذار المصارِف بأنها «ورّطت» البلاد بعدَ بيعها جزءاً من السندات إلى جهات أجنبية، عبّر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد عن موقف حزب الله، إذ أمل أن «نخطو خطوات ولو كانت بسيطة ومتواضعة لمواجهة الاستحقاق الداهم في 15 آذار الحالي المتعلق بمسألة تسديد اليوروبوند»، معتبراً أنه «استحقاق سيترك تبعات على بلدنا». ورأى رعد في حفل تأبيني في بلدة بنهران بالكورة أن «الخيار الذي ستلتزمه القوى السياسية التي تريد الاحتفاظ بقرارنا الوطني هو الخيار الذي سيكلفنا أقل تبعات ممكنة ويعطينا فرصاً أكبر من الخيارات الأخرى لتعزيز صمودنا».

مصادر 8 آذار: بري يرفض تسديد سندات اليوروبوند

من جهة أخرى، لا تزال الحكومة تبحث مسودة مشروع قانون يتعلق بالقيود على الودائع والتحويلات (كابيتال كونترول)، ويجري درسها في الوزارات المعنية، تمهيداً لإقرار المشروع في مجلس الوزراء وإحالته على مجلس النواب. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن «المشروع تُعدّه وزارة المال بالتشاور مع مصرف لبنان»، تحتَ عنوان «حماية أموال المودعين»، بهدف «تنظيم العلاقة مع الزبائِن وإجبار المصارف على تغيير إجراءاتها الاستنسابية، والحدّ من التحويلات الى الخارِج». وقالت المصادر إنه «لا صيغة نهائية لهذا المشروع بانتظار مناقشته في مجلس الوزراء».
وابتداءً من اليوم، يبدأ عدد من القيّمين على المصارِف بالمثول أمام المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، لتقديم «إفاداتهم» بشأن الأموال التي جرى تحويلها الى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019، وقبله بشهرين، وتحديداً أثناء فترة إغلاق أبواب المصارف أمام المودعين. هذه الخطوة، على «إيجابيتها» في الشكل، تبقى شكلية لأن القانون لا يمنع تحويل الأموال إلى الخارج. وكان في مقدور المدعي العام المالي أن يختصِر الطريق على نفسه، بالطلب الى رياض سلامة تزويده بالمعلومات عن الأموال التي جرى تحويلها بعدَ 17 تشرين، لأنها جرت عبر مصرف لبنان، وهو يعرف تفاصيلها كاملة. والدليل أن سلامة حينَ يُسأل عن التحويلات، يقول إن 175 مليون دولار فقط من أصل مليارين و672 مليون دولار تعود لحسابات شخصيات تعمل في الشأن العام، سواء من السياسيين أو رجال الأعمال الذين ينفذون مشاريع لمصلحة الدولة!

مصدرالاخبار
المادة السابقةالمؤسسات تتهاوى تباعاً… وقطاع الفرانشايز مُهدّد
المقالة القادمة“أجنحة الأرز”… بالعملة الخضراء