إذا كان “كورونا” يفتك باقتصادات كبرى الدول العالمية التي حطّ رحاله فيها، ان لناحية تراجع حركة الطيران وهبوط البورصات العالمية او تراجع أسعار النفط… بنسب كبيرة صنفت بالتاريخية، فإنه سوف”يضرب” اقتصاد لبنان اكثر مما هو “مضروب”. فاقتصادنا بات لديه مناعة ومعتاد على النتائج السلبية المستدامة وليس الإيجابية. من هنا من الصعوبة تحديد قيمة الخسائر الناجمة عن فيروس “كوفيد 19″ بالأرقام، على أن يتمّ العمل على تحديده في مرحلة لاحقة.
إقتصادنا ساقط أصلاً في الهاوية، ويحتاج الى خطة إنقاذية، من هنا فإن انتشار الفيروس الذي من الصعب احتواؤه سيؤدي الى التسبب بالمزيد من الشلل في الأسواق وفي القطاعات الإقتصادية كافة.
أولاً، سيقبع اللبنانيون في منازلهم وسيتراجع استهلاك مادة المحروقات، كما قد يتردّد اللبنانيون قبل التوجّه نحو المصارف وسيفعلون ذلك عند الحاجة فقط، تجنباً للأماكن المكتظة، حتى أن العاملين فيها قد يطالبون بالتوقف عن العمل على غرار موظفي الإدارة العامة الذين طالبوا أمس بإقفال مراكز التجمعات كافة، لا سيما منها الإدارات والمؤسسات العامة والخاصة.
ثانياً، ستتراجع الحركة في المطاعم التي تحسّنت الحركة فيها بعد الجمود الذي أصابها في الأشهر الأربعة الماضية، أما الفنادق والتي سجّلت كما جاء في تقرير” بلوم إنفست” إشغالاً بنسبة 61.70% في العام 2019 بعد تراجعات حادة سجلت منذ بدء الثورة، فإنها ستعاني أيضاً من المزيد من الركود.
ثالثاً، لبنان غير قادر على احتواء الفيروس الواسع الإنتشار. فمستشفى رفيق الحريري الحكومي لديه غرف عزل محدودة، ومن هنا صعوبة تحمّل تفشّي الفيروس بشكل كبير.
رابعاً، تحميل وزارة الصحة التي تئن من موازنة “ضعيفة” لا تتعدى نسبة 3% من الموازنة العامة، مزيداً من العبء الذي سيثقل كاهل خزينة الدولة جراء الفترة العلاجية التي يحتاجها المريض المصاب بالفيروس، علماً أن المستشفيات الخاصة كما أعلن رئيس نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون “لا تستطيع تلبية كل طلبات المرضى مهما كانت الجهات الضامنة، والامور متجهة من سيئ الى أسوأ”. معتبراً أن الحلّ الاساسي يبقى بتخصيص مستشفيات او اجناحة كاملة في كل منطقة لاستقبال عدد كبير من الاصابات وتكون تلك الأماكن معزولة عن سائر الاقسام.
خامساً، تراجع الحركة الشرائية، نظراً الى تلافي اللبنانيين التجوّل في السوبرماركات والأسواق والمراكز التجارية وحتى ارتياد أماكن التسلية واللهو مثل السينما. اذاً، باختصار سيتجنب المواطنون التوجه نحو المجمّعات المقفلة الا عند الحاجة القصوى، علماً ان وزارة الصحة اتخذت قراراً بإقفال سوق الأحد في سن الفيل، وفي النبطية تم الإعلان عن تعليق نشاط سوق الإثنين التجاري في وسط المدينة وذلك للحد من التجمعات في الأماكن العامة.
سادساً، تراجع حركة الطيران طبعاً ما سيخفض من حجم أعمال وأرباح شركة طيران الـ”ميدل ايست” المتراجعة أصلاً بنسبة 50% بسبب عدم توافد السياح والمغتربين الى لبنان. وبالنسبة الى قيمة الخسائر فلا يمكن إحصاؤها اليوم كما أجاب مصدر في الشركة لـ”نداء الوطن” معتبراً أن “الوقت لا يزال مبكراً لمعرفة تداعيات وقف حركة الطيران”.
ويلفت وزير الصحة السابق غسان حاصباني لـ”نداء الوطن” الى أن “اللبنانيين سيتفادون السفر الى الخارج ما سيضرّ بشركات وكالات السياحة والسفر، والمغتربين سيوقفون رحلاتهم الى بيروت الا عند الضرورة، هم الذين لا نزال نعوّل عليهم لانفاق الدولارات في البلاد في المطاعم والمقاهي والسوبرماركات والمجمعات التجارية…خصوصاً وأن تراجع العملة الوطنية يعتبر نقطة ايجابية لاستقطاب السيّاح والمغتربين وتعزيز السياحة التي هي قطاع خدماتي اساسي في تحريك اقتصادنا”.
كل تلك المؤشرات لا سيما خفض الرحلات السياحية الى الخارج والحدّ من سلة الإستيراد (ما عدا الأدوية ومعدات التطهير والأقنعة التي تضاعفت الطلبيات عليها) ستحكم الطوق على اللبنانيين مالياً وصحيّاً. علماً أن التداعيات السلبية ستكون على القدرة الإنتاجية للمصانع المحلية والشركات نظراً الى إقدام البعض على الحجر على موظفيه في المنازل بحجة العطلة السنوية.
تراجُع الناتج المحلي
هذا الأمر يؤكده الخبير الإقتصادي جاسم عجاقة لـ”نداء الوطن” اذ اعتبر أن “انتشار كوفيد 19 سيؤثر على الإستهلك بالدرجة الاولى وبالتالي على إجمالي الناتج المحلي الذي سيتراجع بدوره”، مشيراً الى ان “إستمرار الأزمة لغاية تموز سيؤدي الى المزيد من التراجع في الناتج المحلي الى نسبة 0.5 %”.
ويضيف: “التجارة مع الصين، قد تتراجع بدورها نظراً الى القناعة الموجودة لدى البعض أن كورونا قد ينتقل في البضائع خلال عملية الشحن الا أن هذا الأمر غير صحيح لأن الفيروس يحتاج الى جسم حيّ كي ينقل من مكان الى آخر، علماً أنه منذ اندلاع الأزمة الإقتصادية والمالية في البلاد، نسجّل تراجعاً لناحية الإستيراد من الخارج”. وعلى الصعيد العالمي، شهدت البورصات العالمية أسوأ أسبوع منذ الأزمة الإقتصادية العام 2008 وحققت خسائر بتريليونات الدولارات، في حين شهدت “أسواق المطهّرات” تهافتاً على الطلب لشراء المواد المطهرة والكمامات الواقية من “كورونا”.
وكانت شركة 3M الأميركية لتصنيع الأشرطة اللاصقة، وهي من أكبر منتجي أجهزة التنفس N95، (اقنعة تحمي من الفيروسات بنسبة أكبر من الطبية العادية)، حققت خسائر كبيرة لفترة عامين في البورصات، إلا أنها اليوم تسجّل نتائج إيجابية في التداول بأسهمها جراء زيادة الطلب على البضائع التي تنتجها.
وأشارت صيدلية “ميدينو” عبر الانترنت الى أن الطلب على وسائل تطهير اليدين زادت بأكثر من 1000% في شباط مقارنة مع الأشهر الأخرى مع إقبال على تخزينها بعد تفشي الفيروس في بريطانيا للمرة الاولى. كما ازداد الطلب على أجهزة قياس الحرارة رغم أنها بحسب خبراء غير مفيدة في تشخيص المصابين بالفيروس والذين لم يصابوا بعد بالحمى. وذكرت شركة “ساتير يوروب” الإيرلندية التي تنتج تلك المنتجات، أنها كانت تتلقى عادة طلبات يومية محدودة من الزبائن لهذه الأجهزة، لكنها باتت بالمئات.
وتابعت: “بعض الزبائن يطلبون ألف جهاز أو ألفين خصوصاً من الصين” لتجهيز المطارات وشركات نقل عامة وأخرى خاصة.
وكانت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية فاضلة شعيب أعلنت لـ”فرانس برس”، أن الطلب زاد على الأقنعة الواقية في العالم 100 مرة أكثر من المعتاد بسبب حالة الذعر التي تدفع لشرائها وتخزينها”.
وبالنسبة الى حركة الطيران الدولي قال الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA)، إن تقييمه المبدئي لتأثير تفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، يُظهر انخفاضاً محتملاً بنسبة 13% لطلب الركاب في شركات الطيران في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتوقّع الإتحاد أن تخسر شركات الطيران 29.3 مليار دولار بسبب فيروس “كورونا”.
لبنان اليوم في دائرة “الفيروس” و”الشحّ المالي” والإنهيار، فهل سيستطيع أن يخرج منها خصوصاً وأن استحقاق آذار يقرع الباب، ولا بوادر تفاوضية بعد؟