بدأ ضعف العملة الأوروبية الموحدة اليورو مقابل الدولار الأميركي يظهر في 2008 مع الأزمة المالية العالمية، التي تحولت في أوروبا إلى أزمة ديون سيادية. هذه الأزمة عاقبت العملة الأوروبية لجهة التشكيك بقدرتها على الصمود والاستمرار أمام تعثر سداد ديون عدد من الدول الأعضاء. بفضل السياسة النقدية التي اتبعها البنك المركزي الأوروبي، والجهود التي بذلتها دول الاتحاد الأوروبي لضبط ميزانياتها، استقر سعر صرف اليورو ولم يتدهور كثيراً، لا بل عاد واكتسب قوة إزاء الدولار لاحقاً.
ما هي أبرز أسباب ضعف اليورو؟
1 – ذيول أزمة كورونا
2 – التضخم
3 – حرب أوكرانيا
4 – أزمة الطاقة، وخصوصاً الغاز
5 – دور الدولار كملاذ آمن نسبياً في الأزمات
6 – فرق الفوائد الأميركية والأوروبية، وهو لمصلحة الدولار حالياً.
ماذا في التفاصيل؟
في خريف 2021، عادت الأزمة الصحية (كورونا) في أوروبا لتضغط على توقعات النمو الاقتصادي. ارتفع التضخم منذ العام الماضي بسبب تلك الأزمة وإغلاق مواقع انتاج في الصين. ثم تفاقم كثيراً مع تداعيات الحرب على أوكرانيا. هذه الحرب، لم ترفع أسعار المواد الأولية وحسب، بل أظهرت شبح أزمة طاقة يحوم فوق أوروبا بفعل توقع قطع امدادات الغاز الروسي، فضلاً عن ارتفاع أسعار النفط.
مجموع هذه العوامل، التي يمكن أن نضيف إليها آثار العقوبات الأوروبية ضد روسيا، تضغط على الثقة وتكبح النمو في منطقة اليورو. وبالتالي تراجع الطلب على العملة الأوروبية في الأسواق النقدية.
إلى هذه العوامل الظرفية والجيوسياسية تضاف عوامل نقدية. فالدولار يشكل ملاذاً آمناً في أوقات الأزمات. كما أن جاذبية العملة الخضراء زادت مع ارتفاع معدلات الفائدة الأميركية مقابل انخفاض الفوائد الأوروبية. فالإحتياطي الفدرالي الأميركي، ولمكافحة التضخم، بدأ منذ أيار/مايو الماضي دورة جديدة من الرفع القوي للفائدة. بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي فهو في بداية إطلاق دورة مماثلة. ففي 21 تموز/يوليو الحالي، اعلن رفعاً بمعدل 50 نقطة أساس على عمليات التمويل الأساسية، وتسهيلات الإقراض والإيداع… لكنها تبقى أقل بكثير من المعدلات الأميركية المتراوحة بين 1.5% و1.75% ومرشحة للزيادة أكثر خلال ما تبقى من 2022.
ما معنى تعادل سعر صرف اليورو والدولار؟
انها المرة الأولى منذ العام 2002 التي يتعادل فيها سعرا العملتين. فعشية 2008 كان سعر اليورو 1.6 دولار، ثم هبط، أما الهبوط القوي فتسارع في 2022.
اليورو الضعيف يعني دولاراً قوياً: فكل ما هو مستورد من الولايات المتحدة أو «مفوتر» بالدولار يصبح أغلى ثمناً بالنسبة للأوروبي. كما أن السفر الى الولايات المتحدة والدول المدولرة يصبح أعلى كلفةً بالنسبة للأوروبي. في المقابل، بالنسبة للأميركيين، فان قضاء عطلة في القارة العجوز بات أقل كلفة من السابق، مع ارتفاع القوة الشرائية لللدولار.
من يستفيد من اليورو الضعيف؟
إلى جانب قطاع السياحة الأوروبي الذي يستفيد من تدفق الأميركيين وغيرهم إليه بسبب ضعف اليورو، فان الشركات الأوروبية المصدرة تستفيد من اليورو الضعيف: فالسلع المفوترة باليورو باتت أرخص من ذي قبل للدافعين أو المسددين بالعملة الأميركية خصوصاً. والدول الأكثر استفادة هي ألمانيا وهولندا حيث القطاعات الصناعية المصدرة بقوة. وهناك دول، مثل فرنسا، التي تعتمد على تصدير النبيذ والمنتجات الفاخرة والمنتجات الغذائية وصناعة الطيران… التي تجد أسواقاً وطلباً في الولايات المتحدة، وغيرها من الدول التي تحقق فوائض بالعملة الأميركية الصعبة وتستورد من أوروبا.
هذه الفائدة قد لا تكون كاملة، لا بل قد تضمحل إذا كانت السلع المصدرة (والمفوترة بالدولار) يحتاج إنتاجها الى مواد ومنتجات وسيطة مستوردة بالدولار أيضاً وبالتالي باتت أعلى كلفة من السابق بسبب قوة العملة الأميركية حالياً. والأمر عينه بالنسبة للسلع المصدرة وتحتاج طاقة لانتاجها، فأسعار الطاقة عالية ومدفوعة بالدولار (القوي).