غارقةً وسط أكوام أوراق التبغ، بسنواتها التي لا تتجاوز الأربع، تلاعب إبرة شك التبغ كما تلاعب قريناتها ألعابهن. من غير المؤكد ما إذا كانت «ليلى» (هل يهمّ الاسم كثيراً هنا؟) أصغر نازحة سورية عاملة. لكنها من بين 287 طفلاً (بين الرابعة والثامنة) حرموا من طفولتهم، ونزلوا مبكراً إلى سوق العمل ليساهموا في مدخول عائلاتهم.
75 في المئة من الأطفال السوريين في سنّ ليلى وحتى الـ18 يعملون في قطاع الزراعة في منطقة البقاع في ظل ظروف صعبة جداً، ومناخ قاس صيفاً وشتاء، وهم عرضة لأذى المبيدات الزراعية ولدغات الحشرات والزواحف، فضلاً عما يلاقونه من حوادث عمل وإهانات تؤثر في أوضاعهم النفسية والجسدية.
هذا ما خلصت اليه دراسة ميدانية بعنوان «عمالة أطفال النازحين السوريين في القطاع الزراعي في سهل البقاع»، أطلقتها وزارة العمل، أمس، في قاعة عصام فارس في الجامعة الأميركية بالشراكة مع كلية العلوم الصحية في الجامعة، وبدعم من مركز بحوث التنمية الدولية ومنظمة «يونيسيف» ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) ومنظمة العمل الدولية.
الدراسة شملت عيّنة من 12708 لاجئين يعيشون في 1902 خيمة غير رسمية في أربع مناطق في محافظتي البقاع وبعلبك – الهرمل (بعلبك، الهرمل، البقاع الغربي، زحلة). علماً أن منطقة البقاع تضم العدد الأكبر من النازحين السوريين (341234 نازحاً). العيّنة العشوائية اختيرت من 153 مستوطنة غير رسمية لتحديد الأسر التي تضم أطفالاً عاملين تتراوح أعمارهم بين 4 و18 عاماً، وقد بلغ عدد هؤلاء 4377 طفلاً (287 من عمر 4 حتى 8 سنوات، و4090 من 8 حتى 18 سنة). وهم ينحدرون من أسر تعاني انعداماً في الأمن الغذائي، وتستوطن الخيم في ظروف معيشية سيئة، ونحو 50 في المئة منها تتألف من 7 أفراد على الأقل. يبلغ متوسط الدخل الشهري لهذه العائلات 50.7 دولاراً للفرد، فيما يبلغ متوسط الإنفاق الشهري 119.7 دولاراً، ما يشير إلى فجوة بين الدخل والإنفاق بمعدل 69 دولاراً. وهذا ما يدفع بهذه الأسر الى الزج القهري بأطفالها في سوق العمل لتأمين أساسيات العيش. الدراسة بيّنت أن 74.8 في المئة من الأطفال بين الأربع سنوات والثماني يعملون في قطاع الزراعة في ظل ظروف قاسية. إذ أن 82 في المئة منهم يعملون لمدة 6 ساعات تحت شمس البقاع اللاهبة، و30 في المئة يعملون في أوقات البرد القارس، ونحو 11 في المئة يعملون أثناء هطول الأمطار.
هذه المعطيات وغيرها من التفاصيل عرضتها بإسهاب مديرة دائرة البيئة الصحية في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية ريما حبيب، فيما أشارت نائبة ممثلة «يونيسف» في لبنان فيولا سبيك- وارنري إلى دراسة أُطلقت الأسبوع الماضي مع وزارة الزراعة تتناول «الطلب على عمالة الأطفال من وجهة نظر المزارعين». وذكّرت بدراسة لـ«يونيسف» عام 2016، بيّنت أن أكثر من 100 ألف طفل يعملون في لبنان، نحو 6 في المئة منهم لبنانيون. وإذ لفتت إلى غياب الإحصاءات عن القطاعات التي توظّف الأطفال، أكّدت أن «أغلبهم يعملون في الزراعة خصوصاً في المناطق النائية التي تعتمد غالباً على الأنشطة الزراعية». ودعت إلى إنفاذ القوانين للحد من عمالة الأطفال «وخلق بيئة اقتصادية ملائمة وتنافسية تغري البالغين للعمل في القطاع الزراعي».
وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان تعهّد أن تفيد الوزارة من هذه المعطيات وتتواصل مع الوزارات المعنية (الشؤون الاجتماعية والداخلية والصحة) لاتخاذ إجراءات تحد من عمالة هؤلاء الأطفال.
الكلمات المتنوعة لم تخل من توصيات لمعالجة عمالة الأطفال السوريين بدت أقرب الى المثاليات، كتوفير المساعدة المالية لتغطية التكاليف المتعلقة بالتعليم، وتوفير مساحات للترفيه قرب المخيمات التي تفتقد إلى أبسط شروط العيش، كتوافر المياه الصالحة للشرب مثلاً، على ما أشارت اليه الدراسة.