82 مليون دولار هدية البنك الدولي للمنظومة!

بعد انفجار المرفأ، قرَّر الأميركيون والفرنسيون وسائر المانحين أن يقدّموا مساعداتهم مباشرة، وعبر الهيئات والجمعيات الأهلية، لا من خلال السلطة الرسمية. ويتردّد أن النافذين تمكّنوا من «خرق» بعض هذه الهيئات وواصلوا من خلالها عمليات النهب أو التوزيع استنسابياً للمحاسيب.

ويتردّد أيضاً أنّ بعض المساعدات الذي وصل إلى لبنان بالعملة الصعبة جرى توزيعه بالليرة اللبنانية على المستفيدين، وعلى أسس صرف اعتباطي يبدأ بدولار الـ1500 ويتحرّك صعوداً إلى نقطة معينة دون سعر السوق السوداء. وهذا ما يحصل اليوم في قرض البنك الدولي للعائلات الأكثر فقراً.

فأركان السلطة يتمتعون بهامش الاستفادة أيضاً، وبسخاء، من قروض البنك الدولي تحت عناوين إنسانية واجتماعية وطبية. وفي مطلع شباط الفائت، ارتفعت أصوات في الدول المانحة تحذّر من مغبة قيام منظومة السلطة بالاستيلاء على قسمٍ من قرض الـ246 مليون دولار المقرّر منحه للبنان بطريقتين: إنعدام الشفافية في التوزيع، وصرف القرض للمستفيدين على أساس سعر صرف استنسابي للدولار.

أي أنّ السلطة ستتلقّى دولارات خضراء من البنك الدولي، وتمنح الناس 6240 ليرة بدلاً من كل دولار… تحت شعار تخصيص المبلغ الباقي للدعم. و»مزراب الدعم» معروف أين يَصبّ!

حسابياً، هذا يعني أنّ المنظومة الحاكمة استولت على نسبة الثلث من هذا القرض مباشرة، من خلال التلاعب بسعر الصرف، أي 82 مليون دولار. وهذا المبلغ يزداد صعوداً كلما تراجع سعر الليرة. هذا عدا عن المبالغ التي يمكن أن تضيع بسبب انعدام الشفافية في التوزيع.

في شباط، تبلَّغ البنك الدولي اعتراضات الدول المانحة. وكان مُلزَماً بتصحيح الوضع، لأنّ قروضه ليست ملكاً له بل هي ملك المكلّفين في هذه الدول، وهي تتوخّى الشفافية في صرفِها. لكن شيئاً في البنك لم يتغيَّر. والقرض على وشك أن يصبح قيد التنفيذ. وهذا ما يثير الأسئلة حول مغزى إصرار البنك الدولي أو بعض مسؤوليه على تقديم الخدمات لمنظومة السلطة في لبنان.

وفي لبنان، حرَّكت هذه المسألة مجموعات اعتراضية، من «حركة شباب للبنان» وآخرين مشاركين في انتفاضة 17 تشرين، ودفعتهم إلى مناشدة مسؤولي الدول المانحة بأن يضعوا عنوان «محاربة الفساد» الذي يرفعونه موضع التنفيذ. وتوجَّهوا برسالة بهذا المعنى إلى وزير الخارجية الأميركي والممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية ووزراء الخارجية والتعاون الدولي في كندا، فرنسا، المانيا، بريطانيا، الدنمارك، إيطاليا، وهولندا، إضافة إلى رئيس البنك الدولي.

في تقدير هؤلاء، أنّ البنك الدولي كان يدرك نتائج موافقته على شروط العقد وآليته، ولكنه اختار الخضوع للحكومة اللبنانية. ولذلك، على مسؤولي هذه الدول أن يستمروا في الضغط على «النادي السياسي» بالعقوبات وتجميد حسابات السياسيين اللبنانيين في مصارف بلدانهم، تحضيراً لاسترجاع الأموال المنهوبة، عملاً باتفاقية مكافحة الفساد التي انضمّ اليها لبنان في العام 2008.

هل سيتجاوب البنك الدولي مع أصوات الاعتراض في لبنان والدول المانحة، أم يتجاهلها ويمضي في تكرار الاتفاقات التي تستفيد منها منظومة السلطة في لبنان؟

يخشى المطلعون أن يعتمد البنك الخيار الثاني. فهو حتى الأمس القريب رعى مسار الهدر طويلاً في مؤسسات الدولة، بدءاً من مجلس الانماء والإعمار، حيث الكثير من المشاريع التي يموِّلها موضع تشكيك ونقص في الشفافية.

مصدرجريدة الجمهورية - طوني عيسى
المادة السابقةإرتفاع سعر صفيحة البنزين 1300 ليرة!
المقالة القادمةسلف الكهرباء مخالفة للقانون ولا داعي لانتظار نتائج التدقيق