صرّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 2 تشرين الأول 2020، أنّ «الأزمة الحادة باتت وراءَنا، وأنّ مصرف لبنان ولجنة الرقابة سيقومان بكل الإجراءات المتاحة قانوناً، لإعادة تفعيل مساهمة القطاع في تمويل الاقتصاد». اما رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير فقد صرّح في 8 ايلول 2021، «انّ المصارف غير مفلسة وقادرة على تمويل الانتعاش الاقتصادي».
يمكننا الاستنتاج أنّ المصارف نجحت في احتواء الأزمة وتحقيق الارباح، وخصوصا انّها تقوم بإجراءات عدة لاستعادة خسائرها على حساب المواطن المودع. وللتذكير، فإنّ بعض هذه الإجراءات هي:
1- يعطي المصرف المودع مبلغاً مالياً محدّداً من اصل وديعته على سعر صرف 3900 ليرة لبنانية للدولار الواحد، وإذا احتاج المودع الى اكثر من السقف المحدّد يسحب على اساس سعر الـ1500 ليرة للدولار الواحد.
2- هناك فوائد رمزية على الودائع والحسابات لا تتعدّى النصف في المئة، فيما الفوائد على الديون لا تزال بين 7 الى 8 في المئة.
3- يتقاضى بعض المصارف عمولة عن كل عملية SWIFT.
4- أي تحويل مبالغ بالدولار الـFRESH الى الخارج او من الخارج الى الداخل، يأخذ بعض المصارف مقابله عمولة.
5- عند تسديد بعض القروض بالدولار على اساس الـ 1500 ليرة بموافقة مصرف لبنان، يوجد ايضاً عمولة تختلف بين مصرف وآخر.
6- بعض المصارف يعطيك إذناً استثنائياً برفع «الكوتا» بنسبة ضئيلة، ولكن تُحتسب هذه النسبة على اساس صرف 3400 ليرة لبنانية للدولار بدل الـ3900 ليرة.
7- تضييع المودعين بين بطاقات الإئتمان بالليرة اللبنانية والدولار، واعتبار بعض السحوبات على صرف الـ1500 ل. ل حتى لو كانت ضمن الكوتا.
8- هناك موجة إشاعات مستمرة منذ سنتين حول مصير الودائع، ونتيجتها انّ بعض المودعين يتعرّضون للذعر ويقبلون بالتخلّي عن ودائعهم مقابل مبالغ اقل بكثير من قيمة الوديعة الاصلية، وهذه تصبّ في مصلحة المصارف.
فلماذا الإصرار على الاستمرار في احتجاز اموال الناس، ألم يحن الوقت بعد سنتين من تعتير المودعين، ان تقوم هذه المصارف بمصارحة شاملة حول وضعها الحقيقي؟ فيبادر كل مصرف الى الإعلان عن المبالغ التي أخذها مصرف لبنان المركزي منه؟ كم كان لديه من ودائع، وما القسم منها بكل أشكاله وأنواعه الذي كان في المصرف المركزي، وبناءً على أي قوانين تمّ تحويلها الى المصرف المركزي؟ ما الأرباح التي حققها او الخسائر التي تعرّض لها خلال هذه السنتين؟ ما هي خطته لإعادة الودائع الى المودعين؟ ولماذا لا يزال يحتجزها إذا كان وضع المصارف جيداً كما صرّح رئيس جمعية المصارف؟
فهل لا سمح الله تلعب المصارف لعبة سياسية؟ إذا كان هذا الواقع فهذا معيب وسيكون الضربة القاضية لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي.
إنني مقتنع بشدة انّ إعادة الثقة للقطاع المصرفي هي خطوة اساسية ومطلوبة، فمن دون إعادة الثقة بهذا القطاع لن تنجح اي محاولة في تخطّي الأزمة الاقتصادية وإعادة النمو. ومن باب حرصي على اعادة الثقة، اقترح ان يُصار الى التحاور مع المصارف، فمن يعلن استعداده الكامل على إعادة ما تبقّى من الودائع (أي ما تبقّى منها بعد ان اضطر المودع الى ان يسحب من وديعته بالطرق المذكورة أعلاه)، تكون خطوة مرحّباً بها، ولن تتمّ مساءلته عن خسائر السنتين السابقتين. اما المصرف الذي يصرّح عن عدم قدرته على إعادة الودائع، فيتمّ تشكيل لجنة من المودعين والخبراء ليدققوا في وضعه المالي، لتحديد ما اذا كان العجز هو نتيجة سياسات المصرف وأدائه، ام انّها مسؤولية المصرف المركزي، وعلى هذا الأساس يتمّ وضع خطة تضمن حق المودعين من جهة وسلامة المصرف واستمراريته من جهة اخرى.
حق المودعين ان يتمّ اعتماد هذا الاقتراح وان تكون هناك مصارحة تامة، لانّهم تحمّلوا خلال سنتين كثيراً من التعتير والذلّ ومن فقدان لجنى العمر. ولتتذكر المصارف انّ المصارحة هو المدخل الوحيد لإعادة ثقة الناس.
ختاماً، اكرّر، انّه لو طُبّقت الشفافية المطلقة لما كنا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم، واستغرب التجاهل المستمر لقانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة الذي ما زال ينتظر في أدراج المجلس النيابي.