الأحاديث، وبعض المفاوضات بين حكومة تصريف الأعمال، لا سيما بعض وزرائها وبالتحديد رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء ووزير المالية من جهة، وصندوق النقد والبنك الدوليين وممثل الرئيس الفرنسي السفير بيار دوكان من جهة أخرى، لا تزال تُتابع. وهذا موضوع إيجابي ونؤيده. لكن في الوقت عينه، ثمّة إصرار كبير من الحكومة اللبنانية على مشروع خطة التعافي المقترحة في مجلس النواب، والتي ليس فيها ولا نوع من خطة ولا نكهة من التعافي، لكنه مشروع إفلاسي وتصفية خطيرة.
ضمن الخطة المقترحة، ثمة بنود وتفاصيل، منها اقتراح توفير نحو 100 ألف دولار لكل حساب مصرفي يتجاوز هذه العتبة على المدى المتوسط والبعيد.
علينا أولاً ان نبدأ ونذكّر أنه منذ بداية الأزمة الإقتصادية، الإجتماعية، المالية والنقدية في لبنان، كانت هناك استراتيجية واضحة مختبئة ومبطنة هادفة إلى استنفاد معظم الودائع الصغيرة والمتوسطة بشكل مبرمج، فبدأت حينئذ سحوبات تقارب الـ 1000 دولار شهريا ومن ثم 500 دولار، و200 دولار، و100 دولار، حتى استُنفدت معظم العملة الصعبة. ومن ثم بدأت إصدارات التعاميم العشوائية 151، و158، و161، والتي كانت من جهة تؤمّن السيولة للبنانيين بالعملة الوطنية، وتحاول تخفيف حدة النقمة الشعبية، لكن من جهة أُخرى كانت بمثابة Haircut مبطّن، وتقليص الودائع رويداً رويداً، من الودائع الصغيرة إلى المتوسطة.
اليوم، وبعد 3 سنوات من بدء الأزمة، إستُنفدت أكثرية الودائع ما بين 1000 دولار و300 ألف دولار تقريباً، والتي تمثّل القسم الأكبر من المودعين والودائع في المصارف التجارية.
فقد استُنفدت معظم هذه الودائع من خلال كل هذه التعاميم والسحوبات الشهرية، من أجل محاولة توفير الحدّ الأدنى من العيش الكريم، وتأمين أقل الحاجات البديهية والإنسانية والمعيشية للتعايش مع هذه الأزمة الكارثية والتضخّم المخيف ومحاولة الحدّ من تدهور نسبة العيش وتأمين بعض الكلفة المعيشية المعدومة.
اليوم، أكثرية الودائع المصرفية الصغيرة والمتوسطة، صُرفت وهُدرت بعد خسائر و»هيركات» بين 70 % و95%، وانتقل المعنيون إلى المرحلة الثانية وهي اقتراحات مشاريع للودائع المتوسطة والكبيرة، ومنها المشروع المقترح الذي ينصّ على تأمين 100 ألف دولار لكل حساب مصرفي على المدى المتوسط والبعيد ومهما كان حجمه.
تأمين هذا المبلغ، (100 الف دولار) لكل حساب هو فكرة منقولة من المصارف الاوروبية التي في حال حصول أي إفلاس مصرفي فيها يؤمن 100 الف دولار لكل حساب مهما كان حجمه.
للعلم، فإنّ معظم المصارف التجارية اللبنانية بدأت درس هذا المشروع ومحاولة تأمين هذه المبالغ على المدى المتوسط والبعيد، وتجري بطريقة مستدامة ما يُسمّى بالـ Stress test، في دراسة إمكانيتها لتأمين هذه السيولة ومحاولة إعادة هيكلتها وعملها على المدى المتوسط والبعيد.
لكن هناك 3 نقاط استفهام وفجوات عدة في هذا المشروع المقترح:
النقطة الأولى: كيف يمكن معاملة كل المودعين مهما كان حجم إيداعهم بالطريقة عينها وتأمين المبلغ ذاته المقترح. فمثلاً مودِع لديه 100 الف دولار وديعة، سيقبض 100 ألف دولار أي 100% من إيداعه. ومودع آخر لديه 100 مليون دولار سيقبض أيضاً 100 الف دولار أي 1% من ايداعه.
النقطة الثانية: إن تأمين هذا المبلغ المقترح لن يكون على المدى القصير لكن على المدى المتوسط والبعيد. ونذكّر بالتضخم المفرط الجاري عالمياً وتضاؤل القيمة الشرائية يوماً بعد يوم.
أما الفجوة الثالثة فهي الأخطر، وهي أن اكثرية الحسابات هي حسابات متضامنة وأخرى تعود الى شركات وأيضاً إلى منظمات او نقابات او مجموعات عدة، وكل حساب يتضمن مئات وحتى آلاف من الأفراد. فكيف سيتعامل هذا المشروع مع هذه الحسابات الدقيقة والمعقدة؟
هذا مثل بسيط من خطة التعافي غير الواضحة والصعب تنفيذها، وللتذكير والتشديد على الأوهام والأكاذيب والجارية في الكواليس.
في الخلاصة من المستحيل اطلاق مشاريع عشوائية وغير مدروسة عوضاً عن اقتراح مشروع متكامل ومتضامن على المدى القصير، المتوسط والبعيد.