تزايدت المؤشرات المقلقة التي تكشف أن قطاع الصناعة حول العالم بدأ يدخل في دورة من الانكماش، في ظل عدم اليقين الاقتصادي الذي بات يطبق على الأسواق، مما قد يؤدي إلى تراجع في الأعمال وتسريح الموظفين والعمال.
وأظهرت دراسات استقصائية أن إنتاج المصانع العالمية ضعف في أكتوبر الماضي مع مخاوف من الركود على نطاق واسع وارتفاع التضخم وسياسة الصين الخاصة بمكافحة الوباء، مما أضر بالطلب وزاد من اضطرابات الإمدادات المستمرة.
وعانت الشركات في أوروبا وآسيا من الضبابية التي أطبقت على قطاع الأعمال، مما دفع بعضها إلى إعادة ترتيب أولوياتها ومراجعة خطط الإنتاج.
واللافت أن المصانع الهندية هي الوحيدة التي شذت عن هذا الاتجاه، مع توسع نشاط الشركات بوتيرة أقوى في أكتوبر حيث ظل الطلب قويا.
وارتفع معدل التضخم على مستوى العالم، حيث تضررت سلاسل التوريد التي بدأت تتعافى من الجائحة من الحرب في أوكرانيا، مما أجبر المستهلكين على كبح الشراء.
وعانى التصنيع البريطاني من أكبر انكماش له منذ أعماق أول إغلاق في مايو 2020 خلال الشهر الماضي، مما يشير إلى تباطؤ متزايد.
وانخفض مؤشر أس.آند بي غلوبال لمديري المشتريات التصنيعي في بريطانيا (بي.أم.آي) لشهر أكتوبر إلى 46.2 من 48.4 في سبتمبر، أقل من علامة 50 نقطة التي تفصل بين النمو والانكماش.
وقالت غابرييلا ديكنز، كبيرة الاقتصاديين في المملكة المتحدة في بانثيون ماكرو إيكونوميكس، لرويترز “تشير بيانات مؤشر مديري المشتريات لشهر أكتوبر إلى أن قطاع التصنيع يتأرجح على حافة الركود”.
وأضافت أنه “بالنظر إلى المستقبل، يبدو أن الطلب على السلع الصناعية مهيأ للانخفاض أكثر مع استمرار تضرر الدخل الحقيقي من التضخم فوق المستهدف، وتراجع الدعم الحكومي لفواتير الطاقة في أبريل، وإجراءات التقشف وارتفاع معدلات البطالة”.
ومن المحتمل أن تظهر مؤشرات مديري المشتريات التصنيعية لمنطقة اليورو، والتي ستصدر الأربعاء تعمقًا في التباطؤ المستمر الشهر الماضي، حيث أدت أزمة تكلفة المعيشة إلى إبقاء المستهلكين قلقين.
وفي سويسرا، انخفضت قراءة مؤشر مديري المشتريات بمقدار 2.2 نقطة لكنها ظلت في المنطقة الإيجابية عند 54.9 نقطة، مما يدل على المرونة المستمرة للاقتصاد المحلي.
ومع ذلك، فإن البيئة الدولية الصعبة، وعدم اليقين بشأن وضع العرض، وارتفاع أسعار الطاقة، تبطئ على نحو متزايد نشاط المصانع السويسرية، حسبما قال محللو كريدي سويس.
وتقلص نشاط المصانع في كوريا الجنوبية وتايوان وماليزيا في أكتوبر، وتوسع بأبطأ وتيرة في 21 شهرا في اليابان، مما يسلط الضوء على الألم الناجم عن تباطؤ الطلب الصيني وارتفاع تكاليف الاستيراد بعناد.
وبلغ مؤشر مديري المشتريات التصنيعي العالمي في الصين 49.2 نقطة في أكتوبر، ارتفاعًا من 48.1 في سبتمبر.
وكان مسح القطاع الخاص متماشيا مع مؤشر مديري المشتريات الرسمي الصادر الاثنين الماضي، والذي أظهر أن نشاط المصانع في الصين انخفض بشكل غير متوقع في أكتوبر.
وقال تورو نيشيهاما، كبير الاقتصاديين في معهد داي إيتشي لبحوث الحياة في طوكيو، إن “آسيا تعتمد اعتمادا كبيرا على الصين التي واصلت سياستها لمكافحة كورونا تعطيل سلاسل التوريد ومنع الصينيين من العودة إلى الوجهات السياحية الآسيوية”.
وأوضح أن “الخطر الكبير الآخر هو وتيرة زيادة أسعار الفائدة الأميركية. وأكد أنه إذا استمر بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في رفع أسعار الفائدة بشكل مطرد، فقد يؤدي ذلك إلى إشعال تدفقات رأس المال من آسيا وإلحاق الضرر بالصادرات”.
ومن المتوقع أن تجبر زيادة الفائدة الأميركية المزيد من البنوك المركزية على العمل لمنع التدفقات الحادة لرأس المال من خلال تشديد سياساتها النقدية، حتى لو كان ذلك يعني تهدئة الاقتصادات الضعيفة بالفعل، كما يقول المحللون.
وفي تسليط الضوء على كيفية تفوق الألم الناجم عن ارتفاع تكاليف المواد وقيود العرض على الدعم من ضعف الين الياباني، سجلت شركة تويوتا لصناعة السيارات تراجعا في أرباحها خلال الربع الثاني من هذا العام بنحو 25 في المئة وخفضت هدفها السنوي للإنتاج.
وأظهر مؤشر مديري المشتريات تقلص نشاط المصانع في كوريا الجنوبية للشهر الرابع على التوالي في أكتوبر مع انخفاض طلبيات الصادرات للشهر الثامن.
وجاء ذلك في أعقاب البيانات التي أظهرت انخفاض صادرات كوريا الجنوبية بأكبر قدر في 26 شهرا مع استمرار انخفاض الشحنات إلى الصين، أكبر أسواقها.
وشهدت كل من تايوان وماليزيا انكماشات أعمق في التصنيع، بينما توسع النشاط في إندونيسيا مرة أخرى في أكتوبر، ولكن بوتيرة أبطأ من الشهر السابق.
وخفض صندوق النقد الدولي التوقعات الاقتصادية لآسيا في تقريره الصادر الاثنين الماضي، حيث أدى تشديد السياسة النقدية العالمية، وارتفاع التضخم وأيضا الحرب في أوكرانيا إلى وضع ضاغط لم يشهده العالم منذ الأزمة المالية قبل 13 عاما.
وتستمر تداعيات قيود الصين الصارمة على كوفيد في الاتساع. ومطلع هذا الأسبوع، فرضت القيود الإغلاق المؤقت على منتجع ديزني في شنغهاي وألحقت الضرر بإنتاج أبل من هواتف آيفون في منشأة تصنيع رئيسية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.