أوقعت وزارة الطاقة، وكل الطاقات، ومن خلفِها حكومة «تمييع» الإصلاحات، جميع اللبنانيين في «فخ» زيادة تعرفة الكهرباء. فعدا عن الفشل في زيادة ساعات التغذية، فان الفاتورة ستزداد بمقدار 24 ضعفاً، حتى لو أُطفئت معامل الكهرباء وغرق البلد في الظلام.
ما إن «بلع» المواطنون «طعم» رفع التعرفة بـ»حيلة» زيادة التغذية، حتى تراجعت وزارة الطاقة عن وعدها بتأمين الكهرباء ما بين 8 و10 ساعات يومياً. والعذر بحسب الوزير وليد فياض هو «تدني المبلغ الذي يستطيع مصرف لبنان تأمينه لشراء الفيول من 600 مليون دولار إلى 300 مليون، أي بمقدار النصف». وعليه فان «المبلغ المتوفر لن يؤمن أكثر من 4 ساعات تقريباً». العذر الذي ساقه الوزير «أقبح من ذنب». فان كانت العلاقة بين إدارات الدولة في الأمور الإستراتيجية التي تطال مصلحة المواطنين، تدار بهذا الشكل من التسويف، مشكلة، وإن كان الوزير فياض قد بنى خططه على التوقعات، فان المشكلة أكبر. وفي الحالتين لا ذنب للمواطن الذي بنى آمالاً على التخلص من فاتورة المولدات، لتحمّل تبعات هذه الفوضى غير الخلاقة، التي تسبب بها أساس الفشل الذريع في إدارة قطاع الطاقة.
الكلفة الثابتة ترتفع 24 ضعفاً
مع مطلع العام 2023، ستبدأ مؤسسة كهرباء لبنان بإصدار الفواتير على أساس التعرفة الجديدة، وسيتحتّم على المواطنين دفع أعلى فاتورة، نظير أسوأ خدمة على الإطلاق. فأكثرية المستهلكين المشتركين بعداد 15 أمبير سيدفعون شهرياً مبلغاً وقدره 235650 ليرة حتى لو لم يستهلكوا أي كيلواط. فالتعرفة الجديدة للكهرباء أبقت على رسمي العداد وبدل التأهيل الثابتين. وقد جرى رفع رسم العداد من 4800 ليرة إلى 21 سنتاً لكل 1 أمبير، أي إلى 3.15 دولارات لعداد 15 أمبير. كما رفع بدل التأهيل من 5 آلاف ليرة إلى 4.5 دولارات. والرسمان يحتسبان، كما المصروف، على أساس سعر صيرفة. وعليه فان المستهلك سيدفع ضريبة ثابتة على فاتورة الكهرباء بقيمة 7.65 دولارات بحسب سعر صيرفة، البالغ اليوم 30800 ليرة، في حال توفرت الكهرباء أو لم تتوفر.
لا عدالة في توزيع الشطور
أمّا في ما يتعلق بالتعرفة التي ستحتسب على أساس 27 سنتاً للكيلواط/ساعة الذي يتخطى عتبة 100 كيلواط، فان الأمور أكثر سوءاً. فهذه التعرفة مشروطة أولاً بتسديد الدولة ما يتوجب عليها من فواتير متراكمة مقدرة بأكثر من 245 مليون دولار. وفي حال لم تعمد الدولة إلى تسديد هذا المبلغ، فان التعرفة على المواطنين ستحتسب على أساس 37 سنتاً للكيلواط/ساعة. وقد ضربت الخطة الجديدة لزيادة التعرفة مبدأ توسيع الشطور وزيادة عددها لضمان أكبر قدر ممكن من العدالة بين المواطنين. فعلى عكس التعرفة الماضية التي كانت موزعة على 5 شطور لم تتضمن الخطة الجديدة إلا شطرين مفصولين بعتبة 100 كيلواط.
أسعار الكهرباء تلحق صيرفة
التعرفة الجديدة محتسبة على أساس سعر صيرفة، المحددة حالياً من قبل مصرف لبنان على أساس 30800 ليرة للدولار الواحد. إلا أن سعر المنصة سيتجاوز هذا الرقم بمقدار الضعف اذا تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء عتبة 70 ألف ليرة، وهذا الأمر ليس مستبعداً مع ما نشهده من تطورات سلبية تضعف الليرة أكثر فأكثر. ما يعني عملياً أن التعرفة الثابتة سترتفع بمقدار 48 ضعفاً، فيما سترتفع التعرفة المتحركة المتصلة بالمصروف للفئة التي تستهلك بين 100 و300 كيلواط بحوالى 400 ضعف. وفي ظل زيادة الرواتب في القطاع بقدر واحتمال رفع السحوبات المصرفية من حسابات العملة الأجنبية في شباط القادم، فان الزيادة في أسعار الكهرباء تعتبر كارثية.
تراجع الإستثمارات
أمام هذه المستويات من الأسعار ستتراجع الإستثمارات ولا سيما في القطاعات التي تحتاج إلى طاقة مكثفة. وحتى لو سلمنا جدلاً ببقاء المهن والمصالح، فان تكلفة الكهرباء ستضاف إلى المنتج وسيتحملها المستهلك النهائي.
تكرار لسلفات الخزينة
خدعة وزارة الطاقة لم تنطل على المواطنين، إنما مرت أيضاً على المسؤولين الذين وافقوا على إقراض أو ضمان شراء الفيول. فساعات التغذية القليلة العشوائية التي لن تتجاوز الأربع ساعات، أعجز عن تأمين كلفة شراء الفيول، هذا عدا عن مصاريف الكهرباء الثابتة والتي كانت تقدر سنوياً بحدود 800 مليون دولار، والتوقع بارتفاع الهدر غير الفني (السرقة). وبالتالي سيضطر مصرف لبنان لتسديد المبلغ، بدلاً من ضمانته، وقد يدفع من التوظيفات الإلزامية وجيوب اللبنانيين ثمن الفيول المستورد بقيمة 300 مليون دولار. وعليه سيلحق هذا المبلغ بسلفات الخزينة التي أعطيت للكهرباء طوال العقد الماضي، والتي راكمت عجزاً تجاوز 45 مليار دولار.
تعطيل المنافسة
كل هذه التحديات الناجمة عن عدم وجود نية جدية لاصلاح قطاع الطاقة، عطلت فرص فتح القطاع أمام المنافسة. وبالتالي الإنتقال من احتكار الدولة في الانتاج والنقل والتوزيع إلى إعطاء الفرصة للقطاع الخاص بانتاج الكهرباء بكميات كبيرة ووضعها على الشبكة. ما يتيح توفير الكهرباء أولاً، والبيع بأسعار أقل ربما وخدمة أفضل.
كلفة الخطة الباهظة
في الوقت الذي تصل في لبنان كلفة انجاز خطة الكهرباء التي يفترض أن تنجز ما يزيد قليلاً عن 3000 ميغاواط إلى 5.7 مليارات دولار، لن يكلف مد أوروبا بـ 2000 ميغاواط من الكهرباء المصرية أكثر من 2.7 مليار دولار. حيث يمول الاتحاد الاوروبي إنشاء مشروع الربط الكهربائي الأورو – أفريقي الذي سيدخل حيز التنفيذ في العام 2024.
إهمال الإصلاحات يفوّت الفرصة على لبنان
على الرغم من حاجة وزارة الطاقة الكبيرة لزيادة وتنويع مصادر الفيول والكهرباء، من أجل رفع ساعات التغذية وزيادة الإيرادات، يَظهر أنها ما زالت مصرة على عدم إنجاز الإصلاحات. فتشكيل الهيئة الناظمة على قواعد الشفافية والحوكمة الرشيدة كفيل بتأمين قرض من البنك الدولي لايصال الغاز المصري إلى دير عمار، واستجرار نحو 250 ميغاواط من الكهرباء الأردنية، وبالتالي توفير ما لا يقل عن 700 ميغاواط. وإذا ما أضفنا هذه القدرة على 700 ميغاواط من شراء الفيول المدعوم من مصرف لبنان (صيرفة + 20%)، ونحو 300 ميغاواط من هبة الفيول العراقي، فان الانتاج يتجاوز 2000 ميغاواط ويؤمن ما لا يقل عن 16 ساعة تغذية. إلا أن وزارة الطاقة فضلت الإلتفاف على شروط تشكيل الهيئة الناظمة بشكل يدخلها في زورايب المحاصصة الطائفية، ويضمن بقاءها تحت سلطة وزارة الوصاية. الأمر الذي سيواجه برفض كبير من الكتل النيابية ويعطل إقرارها.