على الرغم من أنّ الأضرار التي تكبّدها لبنان نتيجة زلزال تركيا كانت محدودة، واقتصرت على بعض الخسائر الماديّة غير الجسيمة، من دون تسجيل أي ضحايا، على عكس المآسي التي طالت كلّ من دولتي تركيا وسوريا، وعدد الضحايا والقتلى الذي فاق 20 ألفًا (أكثر من 17 ألف قتيل في تركيا و3 آلاف في سوريا حتى الساعة) أو المباني المنهارة التي تجاوزعددها الآلاف في كلّ من الدولتين. يتخوّف البعض من أن يكون لهذا الزلزال تأثيرات اقتصاديّة سلبيّة على لبنان.
سوريا والصادرات اللبنانية
لطالما كانت سوريا من أهم الشركاء التجاريين للبنان، ومن أهم الدول العربية المستوردة للمنتجات اللبنانية، قبل قانون قيصر، الذي قلّص حجم التبادل التجاري بين كلا البلدين. وتأتي سوريا في المرتبة الرابعة على لائحة أهم أسواق الصادرات اللبنانية بعد الإمارات والسعودية، وخصوصاً الصادرات الزراعية بحصّة 14% من مجموع قيمتها. وفي عام 2020، بلغ حجم التبادل التجاري الخاص بين لبنان وسوريا 101 مليون دولار لجهة استيراد لبنان، و107 مليون دولار لجهة صادراته. ومن أبرز ما استوردته سوريا، هو البلاستيك ومصنوعاته بقيمة 22.4 مليون دولار، والموز الطازج بقيمة 18.7 مليون دولار والأرز بقيمة 11.7 مليون دولار. أما لبنان فقد استورد من سوريا بما قيمته 9 مليون دولار من المواد التنظيفية، والألبسة والأحذية بقيمة تفوق 13 مليون دولار، وفق إحصاءات الجمارك.
فيما اليوم، وبعض تضرر كلّ من محافظة أدلب وحلب واللاذقية وحماة، يتخوّف الخبراء من أن تصل الخسائر الاقتصادية التي تكبّدتها سوريا جراء الحرب والزلزال إلى 450 مليار دولار!
خسائر تركيا الاقتصادية
في المقابل، تربط لبنان وتركيا علاقات اقتصادية وتجارية منذ أكثر من سبعة عقود. إذ تبوأت تركيا المرتبة الثالثة على لائحة أهم مصادر الاستيراد اللبناني عام 2020، واستأثرت بما نسبته 2.7 بالمئة من إجمالي المستوردات اللبنانية. وكانت في المرتبة التاسعة على لائحة أهم أسـواق الصادرات اللبنانية، واستأثرت بما نسبته 4.2 بالمئة من إجمالي هذه الصادرات. هذا ويبلغ عدد الشركات اللبنانية التي تعمل في تركيا أكثر من 142 شركة، تقدر قيمة استثماراتها بنحو 137 مليون دولار. وذلك حسب دراسة أعدتها غرفة التجارة والصناعة.
وبعد الزلزال الذي ضرب تركيا، يتوقّع الخبراء الاقتصاديون أن تتخطى الخسائر الاقتصادية 50 مليار دولار. حيث قدرت مؤسسة التصنيف الائتماني الدولية “فيتش” الخسائر الاقتصادية للزلزال حتى الساعة ما بين 2 و4 مليارات دولار. فالزلزال أثّر بشكل كبير على حركة الملاحة الجوية والشحن الجوي، والنقل البري، في ظل تضرر 4 مطارات من أصل 7، أهمها مطار أنطاكيا وأديمان، فيما أغلق ميناء اسكندرون على مدى 3 أيام متتالية بسبب اشتعال الحرائق، الأمر الذي شلّ حركة النقل البحري فيه، وتكدست الحاويات داخله.
كذلك تأثّر القطاع الصناعي في تركيا بشكل كبير، خصوصاً في غازي عنتاب وكهرمان مرعش، حيث تضررت المعامل والمصانع ذات الطاقة الإنتاجية العالية وأصبحت خارج الخدمة. والأرقام الأولية تظهر أن أكثر من 1500 منشأة متوسطة وصغيرة تضررت. هذا وتضمّ الولايات التركية العشر المتضررة من الزلازل 151 شركة من بين أكبر 500 شركة صناعية في تركيا. وكانت هذه المناطق تساهم بـ14% في الناتج الزراعي، و11.2% من الناتج الصناعي، و1% من قطاع السياحة، و8.5% من إجمالي الصادرات التركية. كذلك أضرّ الزلزال بالبنية التحتية، (الطرق، الجسور، شبكات نقل الغاز الطبيعي والكهرباء والماء) بمساحة تعادل إنجلترا أو بلجيكا.
فهل من أضرار اقتصاديّة قد تلحق لبنان جراء الزلزال التركي؟
ارتفاع مرحليّ في أسعار المحروقات
يلفت عضو نقابة أصحاب المحطات، جورج البراكس، في حديث لـ”المدن” إلى “أنّنا بدأنا نشهد ارتفاعاً في أسعار المحروقات، وذلك نتيجة التخوّف من أن يكون قد لحق خطوط إمدادات النفط أضرار نتيجة الزلزال. خصوصاً وأنّ إمداد النفط من كردستان والعراق يمرّ من تركيا عبر البحر إلى لبنان. وهناك تخوّف من أن تكون هذه الأنابيب قد لحقتها بعض الأضرار الجسيمة. ونتيجة ذلك قامت كلّ من كردستان والعراق بأخذ قرار بتوقيف الضخ بخط أنبوب النفط، ما أثّر على الأسعار التي ارتفعت. ومن المتوقّع أن يستمرّ هذا الارتفاع لفترة ريثما تعود وتهدأ الأمور”.
وطمأن البراكس من جهّة أخرى أنّ “خطوط استيراد المحروقات سالكة ولا داعي للخوف من شحّ هذه المواد في الأسواق”.
لا خوف على الانتاج الزراعي
من جهّته، يشير رئيس جمعيّة المزارعين في لبنان، أنطوان الحويّك، في حديثه لـ”المدن”، إلى أنّ “الخسائر اقتصرت على بضعة أيام، بعد أن توقّفت حركة نقل الانتاج الزراعي بين لبنان وسوريا، إلاّ أنّ هذ الوضع لن يدوم طويلاً، خصوصاً وأنّ الخيم البلاستيكيّة في سوريا لم تتضرر، وبالتالي المزارعين سيزوّدوننا بالإنتاج عند القطاف”.
الحركة التجارية تراجعت 60%
على المقلب الآخر، كشف رئيس جمعيّة تجّار لبنان الشمالي، أسعد الحريري، في حديثه لـ”المدن”، عن ارتدادت كبيرة للزلزال التركي على حركة التصدير والاستيراد، من وإلى سوريا وتركيا”، واصفاً المرحلة بـ”الدقيقة، حيث هناك تراجع في الحركة، بنسبة كبيرة وصلت إلى 60% من حجم السلع المستوردة والمصدّرة، في اليومين الأخيرين فقط!”، معتبرا أنّ “هذه الأرقام مخيفة، بعد أن علّقت كلّ البواخر التي تأتي من مرسين إلى طرابلس عبر البر والبحر نشاطها”.
في السياق ذاته، يؤكّد أصحاب بعض المحلات التجاريّة، لـ”المدن”، توقّف حركة شحن البضائع من تركيا إلى لبنان، بعد انقطاع الاتصال بينهم وبين أصحاب المصانع، نتيجة الزلزال. ما قد يعرقل عمل بعض هذه المؤسسات خصوصاً التي لا تمتلك مخزوناً كافياً من السلع أو التي يتركز عملها على الـ”drop shipping”.
فيما كان بعض هؤلاء قد حوّل أموالاً إلى تركيا مقابل استيراد بضائع، إلا أنّ المصانع التي تنتج هذه الأخيرة ضربها الزلزال.