بركات: اتساع الاقتصاد النقدي يحدّ من فعالية السياسات وآفاق النهوض

يشير كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة الدكتور مروان بركات إلى بروز الاقتصاد النقدي المتنامي في لبنان وتحدّياته “كمعضلة أساسية في يومنا هذا لما تحمله من شوائب وعواقب بشكل عام”.

ويحدّد عبر “المركزية” بالأرقام، أن حجم الاقتصاد النقدي بلغ بحسب تقديرات البنك الدولي الصادرة مؤخراً 9.9 مليار دولار في العام 2022، “ما يشكّل 46% من الناتج المحلّي الإجمالي، أي ما يقارب نصف حجم الاقتصاد، علماً ان الناتج المحلي الإجمالي يقدّر من قبل البنك الدولي بما يوازي 22 مليار دولار. وعندما نقول ان الاقتصاد النقدي يشكّل 46% من الناتج في لبنان، هذه نسبة شديدة الارتفاع بالمعايير الاقليمية والعالمية”.

ويلفت إلى أن “البنك الدولي ليس فقط قلق على حجم الاقتصاد النقدي الذي وصل اليه البلد، انما ايضاً على الوتيرة التي يتزايد فيها الاقتصاد النقدي. ففي العام 2020 كان الاقتصاد النقدي يقدر بـ4.5 مليار دولار ليرتفع في العام 2021 الى 6 مليار دولار وليصل الى 10 مليار دولار في العام 2022، اي زيادات كبيرة علماً ان الاقتصاد الكلي انكمش بحسب تقديرات البنك، ما يعني أن المقام (Denominator) أي حجم الاقتصاد الكلي انكمش بينما تزايد البسط (Numerator)أو حجم الاقتصاد النقدي. وبالتالي فإن نسبة الاقتصاد النقدي الى حجم الناتج المحلي الإجمالي زادت من 14% في 2020 الى 26% في2021، الى46% في 2022. في هذا السياق، إن الوتيرة التي ينمو فيها حجم الاقتصاد النقدي بالمقارنة مع الحجم الكلي للاقتصاد هي مصدر للقلق للمراقبين المحليين والدوليين”.

ويُضيف: نعتقد ان تصاعد الاقتصاد النقدي يحدّ من الوساطة المالية في البلد ونحن على يقين ان ما يضعف الوساطة المالية ويكبر الاقتصاد النقدي يكون ذلك على حساب النمو وعلى حساب الدخل الفردي، وبالتالي على حساب خلق فرص العمل. كما ان كون الاقتصاد النقدي يخفي مصادر التمويل فهو بالتالي يحفّز الأعمال غير المشروعة وبالتالي تبييض الأموال وما الى هنالك. وكلما يكبر حجم الاقتصاد النقدي يزيد نشاط الاقتصاد غير الرسمي وبالتالي يزيد حجم غسيل الاموال إضافة الى ان التهرّب الضريبي يتفاقم.

ويذكّر في السياق، بأنه “لما كانت الوساطة المالية أساس التعامل في لبنان قبيل الازمة، سجلت نسب نمو فعلية بالاقتصاد جيدة ومؤاتية، وبالتالي انتقل لبنان الى الشريحة العليا من البلدان ذات الدخل المتوسط في العالم. أما عندما ضعف الاقتصاد وضعفت الوساطة المالية أصبح لبنان ضمن الشريحة الدنيا بين البلدان المتوسطة الدخل وفق آخر التصنيفات. أضف الى ذلك انه حين تزيد نسبة الاقتصاد النقدي في البلد تضعف فعالية السياسات النقدية والمالية والسياسات الاقتصادية المعتمدة، وبالتالي تصبح قدرتها على تحقيق النتائج المرجوة منها ضعيفة وواهنة. كما أن النشاط الاقتصادي في لبنان أصبح مبنياً بشكل ملحوظ على عملة غير عملة البلد ما يزيد من المخاطر الاقتصادية والنقدية في الأفق”.

وعن كيفية احتساب الاقتصاد النقدي بالدولار خلال سنة معينة، يُجيب بركات: هو مجموع خلق النقد المتداول بالليرة الذي يتحوّل إلى دولار على سعر الصرف السوق السوداء، ويضاف الى انخفاض الاحتياطي لمصرف لبنان (خارج الدعم) يعني ضخ دولارات في السوق، والى السحوبات من المصارف وفق تعميم 158 وحسم الشيكات مقابل “كاش”، والى تحويلات العاملين في الخارج والتي اغلبها نقدية، والى النفقات السياحية النقدية للسياح، والى المساعدات الإنسانية للنازحين وللبنانيين ذوي الدخل المحدود عن طريق المؤسسات الدولية. ويطرح من هذا المجموع التحويلات النقدية الى الخارج. يجدر الذكر ان هذا المجموع يشمل التدفقات النقدية خلال فترة معينة وليس مجمل النقد في تاريخ معين.

ويتابع في السياق ذاته: إن تقرير البنك الدولي ينتقد منصة “صيرفة” اذ يعتبر انها منصّة غير فعالة بالتأثير على سعر الصرف بشكل جذري كما انها تخلق نوعاً من الـ”اArbitrage”. هناك عملاء وما اكثرهم يستفيدون من فرق العملة ما بين سعر “صيرفة” وسعر السوق السوداء ويحققون أرباحاً ملحوظة التي قدّرها البنك الدولي بحدود المليارين ونصف مليار دولار منذ بداية انشاء منصة “صيرفة” حتى اليوم.

ويختم: من جراء ذلك، تبرز أهمية إقرار خطة تعافي اقتصادية مصرفية بأسرع وقت، تعيد التوازن الى القطاع المالي في البلد من اجل ان يستعيد القطاع المالي دوره كوساطة مالية أساسية تخلق وتولد قيم مضافة مؤاتية في الاقتصاد الوطني، وتسنح النهوض المرجو في البلاد بشكل عام.

مصدرالمركزية
المادة السابقة“لحماية الودائع وعدم اعتبارها خسائر”… كنعان: الاتفاق مع صندوق النقد ضروريّ
المقالة القادمةبوشكيان والحاج حسن: إعادة التصدير الى الخليج والمملكة على السكة الصحيحة