فيما «أخبار» صندوق النقد الدولي غائبة عن ساحة التداولات في الوسط السياسي اللبناني، بعد خيبة الأمل التي أصيب بها فريقه من الطبقة الحاكمة التي تمعن في إهدار المزيد من الوقت في ظلّ الفراغ الرئاسي والحكومي والنيابي لناحية التشريعات، أعاد نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب غسان حاصباني «إحياءها» أو التذكير بها، في الزيارة الخاصة التي قام بها إلى واشنطن، في جولة تضمنّت لقاءات مستقلّة (وليست ضمن وفد) مع مسؤولين أميركيين ومؤسسات أبحاث سياسية إضافة إلى مسؤولين في صندوق النقد.
والسماع مجدّداً عن صندوق النقد الدولي بعد طول غياب وتوقيع الإتفاقية على صعيد الأفرقاء منذ نحو عامين، يطرح السؤال التالي: هل لا يزال صندوق النقد مستعداً لدعم لبنان، وهل من الممكن أن يزور لبنان وفد من الصندوق في ظل عدم وجود رئيس للجمهورية أو حكومة؟ حول ذلك أوضح حاصباني لـ»نداء الوطن»، أن «لا زيارة محددة لوفد من الصندوق، هناك احتمال للقيام بالزيارة الروتينية التي تحصل سنوياً لوضع صندوق النقد تقريره الدوري».
تواصل مع أطراف متعدّدة
وكشف أن «فريق عمل الصندوق يتواصل بشكل متقطّع مع أطراف متعددة في السلطة التنفيذية اللبنانية والتشريعية ومصرف لبنان، وخبراء وأصحاب الاهتمام لتقريب وجهات النظر في سبيل الوصول إلى حلول مقبولة، واستخدام الوقت الضائع بطريقة مفيدة. وهذا التواصل ليس رسمياً أو نقاشاً أو تفاوضاً، بل هو على المستوى العملي فقط إذ يقوم صندوق النقد بدوره التقني الروتيني».
واضاف حاصباني، «حتى أن بعض النواب اللبنانيين قاموا بحراك وبمبادرات فردية وفتحوا خطوطاً مباشرة مع صندوق النقد، ولكن ليس بصفة رسمية أيضاً، وإنما يتمّ فتح نقاش حول أفكار للإطلاع عن كثب على طريقة تفكيرهم وبلورة الأفكار للاستفادة من الوقت الضائع وعدم اكتشاف تلك النقاط لاحقاً». مؤكّداً أن «لا شيء جدّياً أو حاسماً في ذلك التواصل أو له علاقة بالتفاوض مع صندوق النقد، هذا كله متوقف، وإنما فقط نقاشات عامة وعمل تواصلي روتيني، «صيانة» لعلاقات مكاتب صندوق النقد مع سائر الدول».
واعتبر حاصباني أن «التعافي المالي يأتي من إصلاحات مالية تقوم بها السلطات اللبنانية ولا تأتي بإملاءات من صندوق النقد، والاتفاق المبدئي على مستوى فريق العمل مع الحكومة اللبنانية أتى بناء على اقتراح خطة كانت قد طرحتها الحكومة منذ سنتين تقريبا.
لكن مع مرور الزمن تغيّرت معطيات كثيرة ولم تكن الخطّة قابلة للتطبيق ولم تترجم لقوانين تنفذها وما زالت بعض القوانين حتى الآن لم تكتمل نصوصها وتقدّم من قبل الحكومة للدرس والإقرار في مجلس النواب.
وفي الغضون، يضيف حاصباني «إن قانون إعادة هيكلة المصارف ما زال محط نقاش بين الحكومة والمصرف المركزي، وقانون الانتظام المالي الذي من شأنه معالجة حقوق المودعين، لم يقدم بطريقة صحيحة او بالصيغة المناسبة. أما قانون الـ»كابيتال كونترول» فلم يعد صالحاً بصيغته الحالية. كل هذه القوانين تتطلب صياغة تعكس التغيّرات والواقع والمتطلبات، وكنا منذ البداية نقول انها مترابطة ببعضها البعض».
زيارة واشنطن
وبالعودة الى الزيارة التي قام بها حاصباني الى واشنطن الأسبوع الماضي للبحث في الأوضاع العامة للمنطقة وأثرها على لبنان والملفات الرئيسية من الوضع في الجنوب إلى الأزمة المالية والحلول الممكنة، وفي خلالها التقى وفداً من صندوق النقد الدولي، قال «تمّ النقاش في لقائي مع ممثلين عن صندوق النقد، حول نظرة «الصندوق» الى عدد من النقاط الرئسية التي يجب أن تتضمنها أيّ خطّة للتعافي. وأبدى المسؤولون مرونة تجاه بعض الأفكار التي لم تكن متبلورة في السابق. لكن الصندوق لا يملي على الدول الاعضاء الحلول، بل يتوقّع أن تُطرح هذه الحلول وهو يبدي ملاحظات حولها ويقترح تعديلات إذا وجدت لتمكينه من الاتفاق مع الدولة حولها وتقديم الدعم، مما يطمئن دولا وجهات خارجية ومستثمرين للاستثمار او الدعم بناء على موافقة صندوق النقد على خطة الحكومة للتعافي».
ماذا ينتظر صندوق النقد من الدولة
إنطلاقاً من تلك الوقائع ، ينتظر صندوق النقد في هذه المرحلة بروز مقاربة متكاملة للتعافي من السلطات اللبنانية، كما ينتظر تكوين السلطة الإجرائية القادرة على الالتزام باتفاقية وتنفيذها، بدءاً برئيس الجمهورية وصولاً إلى مجلس الوزراء.
لكن إلى ذلك الحين، يقوم بعض النواب بطرح الأفكار وجمع المعلومات والمعطيات والتشاور لاستنتاج ما يمكن تطبيقه عملياً من حلول تناسب اللبنانيين ولا تتعارض مع مبادئ الداعمين».
نقاط النقاش المفصلية داخلياً مع صندوق
لكن من جهتنا، وفي كافة الأحوال، فان نقاط النقاش المفصلية داخلياً ومع صندوق النقد تتمحور حول الطروحات الأساسية التالية:
– تأمين السيولة والتغطية الكافية لحقوق المودعين بحسب خطة زمنية معقولة من خلال الرسملة التدريجية للمصارف من قبل أصحابها ومصرف لبنان من قبل الدولة.
– اعطاء المودعين اولوية في الحلول توازي او تتقدم على الدائنين، مع اعادة هيكلة الدين وتقييمه بعد التخلف عن السداد، والعمل على حل الفجوة في تغطية الودائع بطريقة عادلة وقانونية.
– إعادة هيكلة المصارف واستعادة الثقة بالقطاع.
ولتحقيق ذلك، لا بد للدولة ان تقوم بإصلاحات كبيرة في قطاعات عدة تؤمن لها مداخيل اكبر من خلال تحسين إدارة الأصول والمؤسسات وتخفيف الهدر وتعزيز الجباية الجمركية والضريبية.
وذلك يمكّنها من تغطية تكاليفها، والمساهمة في إعادة رسملة مصرف لبنان تدريجياً، مما يساهم في استعادة الثقة وتكوين السيولة، خاصة بالعملات الأجنبية.
كما يجب إقرار قوانين التعافي بشكل متكامل، حيث يجري النقاش اليوم حول دمجها في قانون واحد، وهذا ما كنا نطالب به منذ البداية، وتضم صيغة جديدة للكابيتال كونترول واعادة هيكلة المصارف والانتظام المالي.
وختم حاصباني «من الصعب أن تحصل هذه الخطوات من دون إنتخابات رئاسية وتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات والتعافي خلال ولاية العهد المقبل، وأن تتكون سلطة إجرائية قادرة على التعامل مع المجتمع الدولي والالتزام بإصلاحات بغض النظر عن برنامج صندوق النقد رغم أهميته وقيمته المضافة. لذلك ينتظر صندوق النقد الحلّ اللبناني قبل ان يتفاعل مع مقاربة التعافي من جديد، والى ذلك الحين تتمّ عملية التواصل بين فريق عمله وجهات محليّة، لتقريب وجهات النظر في سبيل الوصول إلى حلول مقبولة»