أثار مشروع القانون المتعلّق بمعالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها والذي انفردت «نداء الوطن» بنشره منذ يومين، وجاء ثمرة جهد مشترك بين الحكومة ومصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، ردود فعل سلبية من قبل جمعيات المودعين التي سارعت الى إبداء رأيها بشكل أوّلي. وأعلنت الجمعيات عن رفضها لمشروع القانون هذا، والذي يتألف من 61 مادة تتضمن إعادة هيكلة المصارف والتصفية واسترداد أموال المودعين وأدوات إعادة الهيكلة والسرية المصرفية وتصنيف المصارف والودائع المؤهّلة وغير المؤهّلة وطريقة احتساب المبلغ المحمي وغير المحمي… كيف نظرت الجمعيات التي تقاتل لاسترداد أموال المودعين الى مشروع القانون هذا؟
فتات الفتات
إن «النقاط التي حدّدتها خريطة الطريق لاسترداد الودائع في مشروع القانون تتضمن بنوداً ملموسة تشكّل نواة لبداية حلّ، وهناك أمور مجحفة بحق الناس». هذا ما أوضحه رئيس جمعية المودعين حسن مغنية لـ»نداء الوطن».
واعتبر أن «من الأمور المجحفة هي عملية استرداد الودائع التي تصل لغاية 15 سنة. وسأل: «من يضمن أن يعيش المودع لفترة 15 سنة؟ هذا المخطّط يلحق الأذية بأصحاب التعويضات وكبار السن الذين يحتاجون الى المال لتسديد علاجهم الصحّي والأكلاف المعيشية وادخار المال في المصارف لإنفاقها على ما ينتظرهم في المستقبل. فالمبلغ المعروض لاسترداده هو فُتات الفُتات، ولا يشكّل أي حافز لتوفير المعيشة للمواطن.
التدقيق في «غير المشروعة»
وفي الغضون، أشار الى أننا «لا نزال نبحث عن أموال مؤهلة أو غير مؤهلة، طالبنا مراراً وتكراراً بعدم استخدام تلك العبارة، فنحن مع تسمية ودائع مشروعة وغير مشروعة. الودائع المشروعة تمّ ذكرها في مشروع قانون الحكومة، ويترتّب على هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان أن تحقّق بمصدر تلك الأموال. فهناك أشخاص معرضون سياسياً، انتفخت حساباتهم بالفساد ولم يلحظ مشروع القانون ما يسمى بالقضاء او المحاسبة. ولا يتضمن مشروع القانون أي وثيقة من المجلس النيابي او مجلس الوزراء تشرح أسباب الأزمة المالية والإقتصادية».
فالأزمة لم تأت بفعل الطبيعة، بل أتت بفعل فاعل وفساد مستشرٍ، بفعل سرقات حصلت في الدولة اللبنانية والمصارف للودائع، بمثلث برمودا الذي يتشكل بين مصرف لبنان والمصارف والحكومة. وسأل مغنية: من هم المسؤولون عن هذه الأزمة؟ من هي المصارف التي انتفخت حسابات أصحابها؟ من حوّل أمواله الى الخارج ومن أدخل أموالاً الى لبنان ومن بيّض أموالاً؟ من هنا لا يمكن الدخول بخطّة من دون محاسبة».
وأضاف: «يُحكى اليوم عن مطلوبات بقيمة 90 مليار دولار، وهي أموال المودعين، عدا الموجودات التي تبلغ نحو 10 أو 12 مليار دولار. فإذا جزأناها الى مشروع (أي ذات مصدر نظيف) وغير مشروع (مصدرها غير نظيف أي متأتية من عمليات تبييض أموال أو رشاوى او فساد من قضاة وأمنيين كبار وموظفي إدارة عامة)، عندها نشطبهم ونحاسبهم ونحجز على ممتلكاتهم، فنغذي من تلك الأموال الودائع المشروعة التي كوّنها أصحابها وهي جنى عمرهم».
نقاط إيجابية
وشدّد على أن «هناك نقاطاً إيجابية يتضمنها مشروع القانون ولكن السواد الأعظم من المشروع لا يراعي حقوق المودعين ولا المحاسبة ولا الإحتياجات الإجتماعية وغلاء المعيشة. يُحكى عن فترة 15 سنة لاسترداد الودائع بمبلغ 300 و 400 دولار. لا أدري ما اذا كان معدّ الخطة يعيش في وضعنا الإجتماعي. هل يستطيع من وضع التقرير أكان رئيس الحكومة أو المجلس النيابي ان يعيشوا بـ300 و 400 دولار شهرياً؟
مصير المودع بالليرة
والمؤسف أنه لم يأت أحد، على ذكر المودع بالليرة اللبنانية وهو الخاسر الأكبر، هو من فقد 90% من القيمة الشرائية من وديعته. هو المودع الذي تمّ إيهامه مراراً وتكراراً أن الليرة بخير ولا تنهار والليرة «خرزة زرقاء»… أكل «مودع الليرة الضرب»، ولم نر في مشروع القانون ما يراعي احتياجات مودعي الليرة اللبنانية. فكلّ الحلول تصبّ على ودائع الدولار وكأنه لم يكن لدينا ليرة لبنانية».
وخلص مغنية الى أن «الخطة المدرجة في مشروع القانون مرفوضة نوعاً ما، ولكن يمكن أن تشكّل نواة لبداية النقاش لتحسينه بالدرجة الأولى لمصلحة المواطن والمودع».
دمج الخطط الشيطانية
إعتبر رئيس جمعية صرخة المودعين علاء خورشيد خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن «خطة الحكومة مرفوضة جملة وتفصيلاً وهي كسابقاتها سرقة موصوفة لأموال المودعين. يضم مشروع القانون: الخطط الشيطانية الثلاث السابقة: خطة التعافي المالي الملغومة والـ»كابيتال كونترول» وإعادة هيكلة المصارف، تم جمعها في مشروع قانون واحد للتخلص من قضية الودائع وشطب القسم الأكبر منها وإعادتها على فترة زمنية طويلة.
وقال إن «السرقة لن تمرّ مهما كان الثمن غالياً، ستقضي على الأمل باسترجاع الاموال، هي صكّ براءة للمصارف. وخريطة الطريق الموضوعة تهدف الى التخلص من المودعين من دون محاسبة واستمرار عمل الدولة والمصارف على حساب جنى عمر المودعين وعيشهم الكريم».
ولفت الى أن «مشروع القانون يعتمد النهج المتبّع سابقاً وهو تحميل المودعين المسؤولية. وتختصر بكلمتين إبادة جماعية وتقضي على المودعين وأهلهم والقطاع المصرفي، فهي تقسم الودائع الى أموال مؤهلة وغير مؤهلة وتستغرق عملية تسديد الأموال بين 10 و15 سنة.
مفخخة بـ«الكابيتال كونترول»
أما جمعية «أموالنا» فكان لها بدورها رأيها في خريطة الطريق الموضوعة والمكمّلة لخطط الحكومة السابقة، فقال مؤسس الجمعية فراس طنّوس لـ»نداء الوطن»، «جيّد أن تطلّ الحكومة بـ»خطّة» ولكن الخطط المنبثقة عن الحكومة مفخخة، فالـ»كابيتال كونترول» نزل بالـ»باراشوت» على المودعين.
اليوم هذه «الخطة» ظاهرياً تعيد الى أصحاب الودائع الأموال لكن باطنياً وفق جدول زمني يتراوح بين 10 و15 سنة على أساس 300 دولار شهرياً، حينها تكون قيمة الدولار تراجعت نحو 40%، فضلاً عن أنها تشرّع الـ»كابيتال كونترول».
وسأل، إذا كان لا أحد يريد تحمّل المسؤولية، هل على المودع تحمّلها وشطب أمواله رغم عدم مسؤوليته عن ضياع الودائع، خاصة وأن اموال عدد كبير من المسؤولين مبنية على فساد؟
إستعادة الأرباح
«إن بند إستعادة أرباح المصارف ممتاز ولكن هل سيطبق؟»، يسأل طنّوس ويضيف: وهل ستردّ المصارف فائض الأرباح العائدة لها وتصرّح عن أموالها؟ وهل سيتمّ تطبيق رفع السريّة المصرفية؟ ولماذا لم يمرّر مجلس النواب الضريبة على القروض التي سدّدت على أساس 1500 ليرة؟ معتبراً أن لا جدّية بالتعامل بملف المودعين.
وبالنسبة الى أن الهيئة الخاصة لإعادة هيكلة المصارف ويترأسها حاكم مصرف لبنان ونواب الحاكم وفريق قانوني واقتصادي، قال طنّوس إنه «يجدر أن تكون نزيهة وبعيدة عن جو القانونيين العاملين في مصرف لبنان والذين ارتكبوا مخالفات جمّة. فإذا مرّ مشروع القانون بمجلسي الوزراء والنواب، لأنهم مرتكبون، كيف سيحاكمون أنفسهم ويصدّقون على مواد تدينهم أو تبيّن الأفعال التي ارتكبوها؟.
الودائع المصرفية المستثناة
وتطرّق الى بعض المواد التي تضمنّها مشروع القانون، منها المادة التي تتناول الودائع المصرفية المستثناة ورأى ضرورة تعديلها. وجاء في الفقرة 1 من تلك المادة «إن الأموال الجديدة (Fresh Funds ) أي الأموال المثبت تلقيها من قبل المصرف المعني من الخارج كودائع نقدية بالعملة الأجنبية بعد 17/10/2019 هي مستثناة ويتوجّب على المصرف تسديدها كاملة للمودع عند الطلب. كما يجدر على المصرف تسديد الودائع بالليرة اللبنانية كاملة للمودع عند الطلب».
وهنا يعتبر طنّوس ان «هناك ضرورة لإضافة ان الأموال التي تمّ إخراجها ثم أعيد إدخالها، تعتبر نقداً أيضاً، حتى ولو تبين أنها كانت موجودة في لبنان أو تمّ تحويلها أو تهريبها بعد 17/10/2019».
وأوردت المادة نفسها 45 في الفقرة الثالثة منها أن «الودائع لدى فروع المصارف الأجنبية العاملة في لبنان هي مستثناة من أحكام هذا القانون ويتوجّب على المصرف تسديدها كاملة للمودع عند الطلب». حول هذا البند قال طنّوس إن لدى المصارف أموالاً لدى البنوك المراسلة، ولا أي مرة ردّوا دولاراً واحداً منها، وهنا يمكن للمصارف القول إنها سدّدت ديوناً خارجية الى المصارف المراسلة».
تسديد المبلغ المحميّ
في المادة 50 التي تتعلّق بطريقة تسديد المبلغ المحمي الفقرة 2 – أ، اعتمد مشروع القانون مبدأ الـ»كابيتال كونترول» إذ نصت على أنه «يتمّ السحب من الحساب الخاص المتفرع لدى المصارف الخاضعة لعملية إعادة الهيكلة بالنسبة الى المبلغ المحمي من الودائع المؤهّلة لدى المصارف الخاضعة لإعادة الهيكلة تدريجياً على فترة زمنية تتراوح بين 10 و15 سنة مبالغ شهرية تبدأ بـ300 دولار أميركي وتنتهي بـ800 دولار أميركي».
وفي هذا المجال قال طنّوس: «وفق تلك المعادلة ولحين تسديد الأموال، تكون قيمة العملة تهاوت وتراجعت، ويكون المودع هو من تمت محاسبته على إيداع أمواله في المصارف».
وأضاف: «عندما حجزت أموال المودع بطريقة غير قانونية في ظل غياب الـ»كابيتال كونترول» كانت قيمة العملة الوطنية وقتها 100 ضعف ما هي عليه اليوم. فاذا حرّرت أموال المتقاعد التي كانت بقيمة 300 مليون ليرة، أصبحت تتراوح اليوم قيمتها بين 3000 او 4000 دولار، ما يرتّب التعويض على مودع الليرة «.