تستمر البلاد مشدودة في هذه المرحلة الى قضيتين أساسيتين يتوقف عليهما مصيرها السياسي والمالي والاقتصادي، وربما اكثر من ذلك: الاولى، إنجاز “الموازنة الإصلاحية” الموعودة التي تبدو وكأنّها لا تزال عَود على بدء، على رغم من الجلسات الـ18 التي عقدها مجلس الوزراء لأجلها حتى الآن. والثانية، ترسيم الحدود البحرية وإنهاء القرصنة الاسرائيلية لـ 870 كيلومتراً من المنطقة الاقتصادية الخالصة، واستعجال الخطى لاستخراج النفط والغاز لإطفاء الديون وإنعاش مالية الدولة واقتصادها
بدت الساعات الـ 48 التي أعقبت الجلسة الثامنة عشرة لمجلس الوزراء أشبه باستراحة لم يُسجّل خلالها أي تواصل بين المعنيين في شأن الموازنة، وخصوصاً بين رئيس الحكومة سعد الحريري والوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل وغيرهما، ولذلك سيحضر الجميع الى جلسة اليوم في الأجواء نفسها التي سادت جلستهم امس الاول، حيث المواقف لا تزال على حالها، في انتظار ان يحسم رئيس الحكومة الأمر.
ولم تظهر في الأفق السياسي أمس أي مؤشرات الى انّ جلسة اليوم ستنتهي الى وضع الصيغة النهائية لهذه الموازنة ليقرّها المجلس في جلسة يعقدها غداً السبت في القصر الجمهوري. إذ بدا انّ المواقف ما زالت على حالها، خصوصاً بين خليل وباسيل. فيما يعوّل البعض على ان يحصل الإقرار النهائي للموازنة غداً، ومن ثم إحالتها الى مجلس النواب مطلع الاسبوع المقبل.
تخبُّط غير مُبرر
واستغرب مرجع سياسي، ما وصفه بـ”التخبّط” غير المبرّر في درس مشروع الموازنة وإطالة أمد الجلسات في نقاشات استعراضية لا طائل منها.
وقال المرجع لـ”الجمهورية”: “أصبحنا حتى الآن أمام 18 جلسة لمجلس الوزراء، والمؤشرات التي تحوط بالموازنة توحي أنّ الأمور لم تبلغ نهاياتها، وسط إصرار على استجلاب نقاط مخبأة، لا تغني الموازنة ولا تسمن من جوع، ولا تأثير لها، بالنسبة الى خفض العجز، الذي بلغ مستوى جيداً واكثر مما كان متوقعاً. وأعتقد اننا إذا استمرينا على هذا المنوال من المزايدات والمشاحنات، فإنّ الموازنة لن تبصر النور خلال أشهر، خصوصاً انّ امامها رحلة شاقة في مجلس النواب”. واكّد المرجع، “انّ المسؤولية الأساس في هذا الأمر تقع على عاتق رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي بات عليه ان يحسم النقاش ويضرب يده على الطاولة إذا اقتضى الامر، لأنّ الأمور لم تعد تتحمّل أي مماطلة”.
وفي هذا السياق، قال رئيس الجمهورية ميشال عون، امام زواره، “إنّ الموازنة التي يجري إعدادها هي موازنة إصلاحية، تستحق ان تُمنح الوقت اللازم لإنجازها بأفضل طريقة ممكنة”، مشددًا على انّ المطلوب موازنة تخّفض العجز وتساهم في النمو”. وأضاف: “البعض يُقزّم المصلحة العامة ولا يراها إلّا من نافذة جيبه ومنفعته الخاصة، امّا الإجراءات التي ستتضمنها الموازنة، فمن شأنها ان تحقق المصلحة العليا الحقيقية. وسواء وافق البعض عليها أم عارضها، فانّ هذه الإجراءات ستُعتمد لانّها ممر إلزامي للخروج من المأزق”.
وأكّد عون انّه مطمئن الى مستقبل الوضع المالي والاقتصادي بعد عبور هذه المرحلة الصعبة، جازماً بأنّ “لا انهيار ولا افلاس”. قائلاً: “انّ خيارنا الوحيد هو التغلّب على الأزمة الحالية، لاننا إذا سقطنا سنصبح تحت الوصاية المالية الدولية ونفقد قرارنا المستقل، وبالتالي فإنّ المعركة الاقتصادية التي نخوضها حالياً هي جزء من معركة الدفاع عن السيادة والاستقلال، إضافة الى بُعدها الانمائي والاصلاحي”.
ووصف الخلاف بين خليل وباسيل على مشروع الموازنة بأنّه “صحي”، لافتاً الى أنّ “تباين الآراء ليس ضاراً، ما دام انّ الهدف تحسين مواصفات الموازنة واعتماد التدابير الأنسب لتخفيض معدل العجز”.
ومن جهة ثانية، شدّد عون على أنّ لبنان متمسّك بحقوقه البحرية والبرية، موضحاً انّ اي حل سيكون متناسباً مع مقتضيات المصلحة اللبنانية العليا بالتأكيد.
وقال، إنّه لا يتوقع حرباً في المنطقة على وقع التهديدات المتبادلة بين طهران وواشنطن.
النفط والغاز
على صعيد ملف ترسيم الحدود البحرية، علمت “الجمهورية”، انّ الوسيط الاميركي مساعد وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد عائد الى لبنان مطلع الاسبوع المقبل، ويُفترض ان يحمل معه أجوبة اسرائيلية على ملاحظات قدّمها لبنان.
وعلمت “الجمهورية”، انّ تطورات مهمة طرأت على خط المشاورات التي يُجريها ساترفيلد حول ملف الحدود بين لبنان واسرائيل.
وقالت مصادر مواكبة لهذا الملف لـ “الجمهورية”: “إنّ ساترفيلد سيعود الى بيروت مطلع الاسبوع المقبل، وحدّدت له مواعيد مع المسؤولين اللبنانيين، وهو سيلتقي في هذا الإطار رئيس المجلس النيابي نبيه بري يوم الثلثاء، لإطلاعه على الردّ الاسرائيلي على الملاحظات التي وضعها لبنان على الأفكار التي حملها ساترفيلد في زيارته الأخيرة الى بيروت”.
وفي السياق، ورداً على سؤال حول ما استُجد على هذا الخط، قال الرئيس بري: “نحن ننتظر ما سيحمله ساترفيلد، وآمل في ان يحمل معه إيجابيات تعزّز أجواء التقدّم التي تسود هذا الملف. في كل الحالات، بناءً على ما سنسمعه من ساترفيلد نبني على الشيء مقتضاه. وكما نقول دائما الأمور في خواتيمها”.
موفد أميركي
وفي إطار الحراك الديبلوماسي الأميركي في المنطقة، على ابواب الإستحقاقات التي ينتظرها لبنان، علمت “الجمهورية” انّ رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي النائب الديمقراطي إليوت إنجيل وصل الى بيروت امس في مهمة وُصفت بأنّها استطلاعية للوقوف على آراء المسؤولين اللبنانيين في مختلف المستجدات السياسية المرتقبة.
وفي معلومات لـ “الجمهورية”، انّ انجيل يسعى من خلال لقاءاته المقرّرة اليوم مع رئيس الجمهورية وغيره من المسؤولين الكبار، الى فهم الموقف اللبناني من مختلف التطورات في ضوء المستجدات الناشئة عن الأزمة السورية وتداعياتها، بالإضافة الى التحضيرات الأميركية الجارية لما يُسمّى “صفقة القرن”، وتلك المرتبطة بالدعوة الأميركية الى مؤتمر المنامة في 25 و26 حزيران المقبل، تحت عنوان طريقة إطلاق مسار السلام على جبهة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
وعلى جدول اعمال الموفد الأميركي ما آلت اليه العقوبات الأميركية المشدّدة المفروضة على إيران و”حزب الله” في لبنان والمنطقة، وما يمكن ان تؤدي اليه سعياً الى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان ولتخفيف اجواء التوتر في المنطقة .
ويرافق الموفد الأميركي وفد من الموظفين الكبار في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، وسيواكب جولته اللبنانية من بيروت القائم بالأعمال الأميركي السيد ادوارد وايت، نظراً لوجود السفيرة اليزابيت ريتشارد في واشنطن، منذ ان واكبت زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون اليها الأسبوع الماضي.
حرب ثالثة
من جهة ثانية، حذّر ضباط الجيش الإسرائيلي السابقين الكبار من الدخول في حرب ثالثة ضد “حزب الله” اللبناني، معتبرين أنّ قدرات الجيش البرية مشكوك فيها رغم تحسّن استعداده الجوي واتساع بنك أهدافه.
وكشفت القناة العبرية الـ13 أنّ الجيش الإسرائيلي يقوم بكل الاستعدادات اللازمة للدخول في مواجهة مرجّحة على الجبهة الشمالية مع “الحزب”، وأنّه حدّد بالفعل بنك الأهداف المعادية في جنوب لبنان.
ونقلت القناة عن العقيد أمير قائد قاعدة سلاح الجو في رمات ديفيد قوله، “إنّ سلاح الجو قام بتقصير “الأوقات الأرضية” لطائراته، ومن المتوقع أن يعود إلى أراضي العدو بعد أن يتزود بالوقود ويعيد تسليح نفسه تحت نيران الصواريخ على الجبهة الداخلية”. وأضاف: “قمنا بتطوير قدرات الهجوم التي يمكن أن تجلب مزيداً من القوة النارية ومزيداً من القنابل في أي وقت من الأوقات إلى أراضي العدو. لقد زادت الفعالية التشغيلية بمقدار كبير منذ الحرب الأخيرة”.
وأوردت القناة نفسها في شريط فيديو أعدّه مراسلها العسكري ألون بن ديفيد، يؤكّد فيه أنّ إسرائيل كانت تركّز على نحو 260 هدفاً لبنانياً فقط خلال الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان عام 2006، في حين وضع الجيش الإسرائيلي بنك أهداف يزيد عن 2000 هدف محتمل للحرب الثالثة المقبلة. وأضافت، أنّ الجيش الإسرائيلي يخشى على رغم من ذلك الدخول في حرب برية مع لبنان، وهو ما لا تكتمل بدونه الحرب. وأشارت إلى أنّه “في حال دخول الجيش الحرب فعلياً مع لبنان، فعليه الاستعداد لمواجهة قدرات عسكرية كبيرة يمتلكها “حزب الله”، زادت بأضعاف مقارنة بتلك التي كان يملكها إبّان العام 2006، فضلاً عن أنّ الجيش الإسرائيلي تعلّم كثيراً من الدروس خلال حربيه الأولى (الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982) والثانية (تموز 2006).
ونقلت القناة عن الجنرال يتسحاق بريك، مسؤول الشكاوى السابق في الجيش الإسرائيلي قوله، “إنّ قواته العسكرية لا يمكنها دخول حرب برية حقيقية، كونها ليست على استعداد تام لهذه الحرب، وربما في مسألة العقيدة القتالية الإسرائيلية أيضاً، وفي قوة الردع التي باتت تتآكل”.
وخلص نائب رئيس الأركان السابق اللواء يائير جولان، إلى أنّ “المشكلة داخل الجيش الإسرائيلي، تتمثل بتآكل غريزته الهجومية، فلا يمكن كسب الحرب من دون مناورة برية، وبالتالي يجب أن يخضع الجيش لتغيير عقلي”.
وليلاً، صدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه، البيان الآتي: “في 23/5/2019 الساعة 15.20، أقدمت دورية راجلة تابعة للعدو الإسرائيلي، على اجتياز خط الانسحاب لمسافة نحو 7 أمتار في خراج بلدة جبل الشحل، وحاولت خطف أحد الرعاة من دون أن تتمكن من ذلك. فيما اقتادت قسماً من قطيع الماشية العائد له، ثم أعادته إلى داخل الأراضي اللبنانية. اتخذت وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة الإجراءات اللازمة، فيما تجري متابعة موضوع الخرق مع قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان”.