لن يَسكت حملة سندات الـ»يوروبوندز» طويلاً على تعليق الدولة اللبنانية دفع تلك السندات في آذار 2020. فبدء التفاوض مع الدائنين على هيكلة (مع هيركات) مبلغ 31 مليار دولار عدا الفوائد، يُعتبر من بديهيات التدابير التي يجب أن تسلكها الحكومة في مسار الإصلاحات التي لم تبدأ بعد رغم استمرار غرق الدولة بالأزمة المالية والإقتصادية خلال اكثر من 4 سنوات.
بدء التفاوض مع الدائنين مسألة ملحّة ويجب ان تواكبه جملة من الخطوات والبنود الإصلاحية مثل بت قضية المودعين واطلاق إعادة هيكلة المصارف، وتوقيع اتفاقية نهائية مع صندوق النقد الدولي للسير على الطريق الصحيح لاستعادة الثقة الخارجية بلبنان وبالتالي الحصول على الدعم من خلال القروض والمساعدات الخارجية. ولحينه يبقى مستقبل الإقتصاد اللبناني غير واضح المعالم. فما هي آلية معالجة أزمة الدين الخارجي أو سندات الـ»يوروبوندز».
دعاوى وحجوزات؟
وزير العمل السابق والإختصاصي في مالية الدول وإعادة الهيكلة المحامي كميل أبو سليمان أوضح خلال حديثه الى «نداء الوطن» أنه «لا مفرّ من إتفاق مع حاملي سندات اليوروبوندزعلى إعادة هيكلتها. معتبراً أن «هذا الأمر يسمح للدولة اللبنانية بالعودة الى الأسواق المالية العالمية، عند استعادة الثقة ويخفّض مخاطر إقامة دعاوى وحجوزات عليها، عدا بعض المخاطرعلى مصرف لبنان في الخارج». ووصف خطوة إنجاز الإتفاق مع حاملي السندات بـ»الصعبة جدّاً» من دون إقرار برنامج مع صندوق النقد الدولي. مؤكداً ان «هذا البرنامج هو أحد شروط حاملي السندات الأجانب لأنهم يحتاجون الى الثقة بالدولة اللبنانية وبقدرتها على تسديد قيمة السندات بعد عقد إتفاق جديد».
وكان ابو سليمان إقترح في حديث سابق «إعادة شراء قسم من سندات الـ»يوروبوندز» لأنّ سعرها اليوم بخس جداً، وإعادة شرائها سيوفّر على الدولة مبالغ طائلة».
إيجابيات إعادة الشراء
وعن إيجابيات عرض الشراء يعتبر أنها «توفّر أولاً مبالغ كبيرة على الدولة خصوصاً في حال تمّ هذا الشراء قبل حصول تطوّرات إيجابية كانتخاب رئيس للجمهورية، ما سيؤدي إلى ارتفاع السعر حكماً. وثانياً تحسين القدرة التفاوضية للبنان لأنّها تُخفّف من نسبة السندات المملوكة في الخارج. وثانياً، للمودعين مصلحة في إعادة شراء سندات الـ»يوروبوندز» لأنّ لتلك السندات أولويّة فعليّة، فهي تخضع لقانون نيويورك وبالتالي من مصلحة المودعين التخلّص من دين أعلى تراتبية». مشيراً الى أن «إعادة هيكلة السندات ترتّب على الدولة اللبنانية التفاوض أيضاً على الفوائد المتراكمة». وختم: «كما يتمّ التفاوض مع حاملي سندات الـ»يوروبوندز»وأخذ موافقتهم على كيفية التعاطي مع الدين المترتب على الدولة، لا بدّ أيضاً من أخذ رأي المودعين في إعادة هيكلة ودائعهم في لبنان».
ويذكر ان الفوائد المسجّلة لغاية حزيران 2023 إستناداً الى إحصاءات البنك المركزي ترفع مترتّبات سندات الـ»يوروبوندز» من 31 مليار دولار الى 40 مليار دولار.
المصارف باعت منها
حول هوية حملة سندات الـ»يوروبوندز» التي كانت في جزء كبير منها تعود الى المصارف المحلية، يعتبر رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمود خلال حديثه مع «نداء الوطن» أنّ «المصارف باعت الـ»يوروبوندز» لبيوت المال الدولية. وتُسمى بيوت مال عادة مؤسسات مثل Goldman sacks و Morgan Stanley و Black rock، وشركات الوساطة المالية». لافتاً الى أن «لبنان كلف شركة DF King المحدودة لتحديد من يحوز تلك السندات تمهيداً للتفاوض على اعادة البرمجة التي لا تزال جامدة».
وشركة DF King Limited هي إحدى شركات «أورينت كابيتال»، تمّ تكليفها في أيام حكومة حسّان دياب في آذار 2020 بعد تعليق الدولة تسديد ديونها الخارجية، للمساعدة على إيجاد هوية حاملي تلك السندات.
الهيكلة شرط أول
وشدّد حمود على أن «التفاوض مع حاملي سندات الـ»يوروبوندز» يعتبر الشرط الاول لأي إصلاح مصرفي، كون التصنيف الائتماني لأي مؤسسة مصرفية، يبقى ضمن التصنيف السيادي مهما كانت أوضاع المؤسسة قوية. والتصنيف الائتماني للبنان اليوم هو SD (ما يعني أن الدولة تتخلف اختيارياً عن بعض الالتزامات)، ولا يتصحّح ولو تدريجياً التصنيف إلا مع اعادة برمجة تسديد سندات الـ»يوروبوندز». لكن الحكومة بايعاز من صندوق النقد الدولي ترى خلاصها من الدين العام بشطب الودائع جزئياً، وهنا يحتدم الكباش»، كما يقول حمود.
ويضيف أن «المصارف التي تدعي ضياع رساميلها إذا تمّ توحيد أو تحرير سعر الصرف الموحد، هي تلك التي لا تغطي موجوداتها بالعملة الاجنبية ودائعها بالعملة نفسها، لان الكثير من المصارف باعت شيكات وسدّدت قروضاً بدولار نقدي أقلّ من الدولار المصرفي ويرتّب ذلك عليها تبعة إعادة رسملتها. فقط للمصارف الحقّ في استيفاء او برمجة إيداعاتها لدى مصرف لبنان وتسديد أو إعداد برنامج للـ»يوربوندز» التي بحوزتها، وغير ذلك تكون مسؤوليتها كاملة عن أي ضياع للودائع أو الرساميل».
ما لدى «المركزي»
إذا كانت المصارف باعت قسماً من السندات التي كانت تحملها، فإن قيمة حصّة البنك المركزي منها تتفاوت، وفي هذا السياق أوضح المدير السابق للمحاسبة العامة في وزارة المالية أمين صالح لـ»نداء الوطن»، أن حصّة مصرف لبنان كانت تبلغ نحو 17,3%، اليوم تراجعت الى 13.5% بسبب عدم معرفة كيفية تقدير البنك المركزي لقيمة سندات الـ»يوروبوندز» لديه. وهذه مسألة لم يفصح عنها البنك المركزي، باعتبار أنها من المواضيع التي يمكن التلاعب بها من خلال أرقام الإحتياطي الأجنبي. فمصرف لبنان يدمج سندات الـ»يوروبوندز» في حسابات الموجودات بالعملة الأجنبية وبالتالي يخلط بين السيولة بالعملة الأجنبية وبين أوراق المحفظة المالية من العملات الأجنبية، ويعتبر هذا الأمر من المآخذ الكبيرة عليه».
ضمن خطة إنقاذ
ورأى أنه «على الدولة أن تفاوض حملة سندات الدين العام بالليرة أو بالدولار وذلك ضمن خطّة إنقاذ عامة»، مشيراً الى أن «هناك فارقاً بين القيمة الإسمية للسند وبين القيمة السوقية أو الفعلية. فالقيمة الإسمية لسند الـ100 دولار في سندات الـ»يوروبوندز» تساوي الآن في السوق نسبة تتراوح بين 6 و7% لكل دولار. وعليه لو كانت هناك خطّة حكيمة، ولو أن الدولة تسعى فعلاً الى الحلّ، لكانت ساومت حملة السندات على هذا السعر وبالتالي تستطيع إذا توفّرت لها الموارد ويمكن أن تتوفّر، إستهلاك سندات اليوروبوندز بـنسبة 6 أو 7% من قيمتها الحقيقية وبالتالي تتخلّص من هذا الدين بالعملة الأجنبية وفوائده التي ما زالت وزارة المالية تسجّله وتعلن عنه».
وبالتالي يعتبر صالح، أنه وفق تلك المعادلة «تكون الدولة فعلياً ربحت الفرق بين القيمة الإسمية لسندات الـ»يوروبوندز» وبين القيمة الفعلية لها. ولكن الدولة ليس لديها أي خطة، وبالتالي تفوّت على نفسها فرصة استهلاك هذا الدين بقيمته السوقية وهذا يرفع قدرة حملة هذه السندات في ما بعد على مطالبة الدولة اللبنانية بها وهذا أمر مخيف». وفي هذا السياق يقول صالح إن مسألة سندات الـ»يوروبوندز» تطرح إشكاليتين:
الأولى، ان الموازنة العامة للدولة لا تتضمّن أصلاً أية إعتمادات لتسديد الفوائد المستحقة على سندات الـ»يوروبوندز» وهذا الأمر يعتبر بمثابة قنبلة نووية يمكن أن تنفجر في اي لحظة.
الثانية، إن حملة السندات غير معروفين، بعد تخلّي البنوك عن سندات.
واستناداً الى إقتصاديين في ظلّ عدم اقتراب طرح التفاوض مع الدائنين على السكّة بعد، فان الخشية ليست على احتياطي الذهب الذي تبلغ قيمته نحو 18مليار دولار حالياً مقابل دين خارجي (اسمي ) يزيد على 40 مليار دولار فحسب، بل الخطر ايضاً على تعاملات لبنان في الأسواق المالية الدولية، كما ان لبنان يمتلك ثروات في البحر… وكل هذا قيمته تصبح صفراً في حال فشل المفاوضات، لأن لبنان لن يكون قادراً على التعامل مع المجتمع الدولي، وسيصبح مثل فنزويلا العائمة على النفط الا أنها غير قادرة على الاستفادة منه بسبب العزلة.
إنهيار قيمة السندات
قبيل بدء الأزمة مباشرة، كان إجمالي قيمة سندات اليوروبوندز نحو 31 مليار دولار، وكانت تمتلك البنوك المحلية منها 14.8 مليار دولار، ومصرف لبنان 5 مليارات دولار، والمستثمرون الأجانب نحو 11 مليار دولار. لكن خلال المرحلة الاولى من الأزمة، تغيرت هذه التركيبة بعدما باعت المصارف المحلية جزءاً كبيراً مما تحمله للحصول على سيولة، اذ يتوقع ان حصة الاجانب حالياً اكثر من 20 مليار دولار (بالقيمة الاسمية).
وقبل 17 تشرين الأول 2019 كان متوسط السعر المرجح للسندات يتراجع بقوة وهو ما كان يعتبر نذير تعثر. وحدث أكبر انخفاض في السعر المرجح في الربع الأول من عام 2020، من 54.44 إلى 32.25، وبعد اعلان التوقف عن السداد استمرت السندات في الانخفاض نظراً لعدم وجود حل للازمة في الأفق لا سيما بعد افشال خطة لازار، حيث وصلت إلى 6.18 في الربع الرابع من 2022. وهي عند هذا السعر تقريباً حالياً.