تتفاعل القضية التي كشفتها «نداء الوطن» في 27 آذار الماضي حول عمليات بين مصرف لبنان وشركة اوبتيموم نتج عنها عمولات بأكثر من 12 تريليون ليرة ( نحو 8 مليارات دولار). وانقسم المتابعون بين مشكك، وبين مصدق بالنظر الى تاريخ مصرف لبنان في الهندسات والعمولات وفضيحة شركة «فوري» التي تربّح منها الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة ومجموعة مقربة منه وفقاً للتحقيقات الاوروبية. وهناك من رأى في تلك العمليات (45 صفقة على سندات الخزينة وشهادات الايداع) تضليلاً محاسبياً لاخفاء خسائر من عدم انكار حصول عمولات ذهبت لاطراف ثالثة. تحت ضغط النشر في «نداء الوطن» ووسائل التواصل الاجتماعي اضطر المجلس المركزي لمصرف لبنان طرح القضية الاربعاء الماضي مع مطالبة من احد الاعضاء بالتحقيق في هذه القضية وعدم تركها تمر مرور الكرام. لكن هناك من لا يقبل بتدقيق داخلي في مصرف لبنان ويطالب بتدقيق حيادي مستقل على ان يكون من شركة دولية متخصصة بالجرائم المالية وكشف التضليل المحاسبي.
أفيوني: إستعادة الثقة والمصداقية والشفافية في مصرف لبنان مسؤولية جسيمة يتحملها الحاكم بالإنابة والنواب الثلاثة الآخرون والمجلس المركزي
يصف وزير الدولة السابق لشؤون الاستثمار والتكنولوجيا والخبير المصرفي عادل افيوني «مسألة عمولات شركة أوبتيموم التي ظهرت الى العلن مؤخراً بالخطيرة وهي تضاف الى فضائح اخرى»، ورأى في حديث لـ»نداء الوطن» أنها «تطرح علامات استفهام جديدة عن عمليات مالية كانت تتم في مصرف لبنان، وعن نهج ضبابي في السياسات المحاسبية وعن دور المسؤولين والمدققين والهيئات الرقابية، وعن تواطؤ بعض المؤسسات المالية في هذه العمليات»، معبراً عن «أسفه لما نكتشفه من فضائح ومن انكشاف وما نشهده من انهيار بالثقة والمصداقية في هذه المؤسسة العريقة والمحورية التي هي مصرف لبنان. لذلك تشكل استعادة الثقة والمصداقية والشفافية في مصرف لبنان خطوة اساسية واولوية في اي مشروع انقاذ، وهذه مسؤولية جسيمة يتحملها الحاكم بالإنابة والنواب الثلاثة الآخرون والمجلس المركزي».
يضيف: «خطوة تحويل هذه العمولات الى هيئة تحقيق خطوة اولى جيدة وضرورية. قد لا تكون كافية. لكن أنا لا اريد أن احكم مسبقاً لأن الامور بخواتيمها. لا شك ان مثل هذه المسألة لا يمكن أن تمر مرور الكرام، وعلى هيئة التحقيق ان تصدر تقريرها بمهلة زمنية محددة حتى يبنى على الشيء مقتضاه، وحتى لا يسقط التحقيق ضحية المماطلة والمراوغة التي عهدناها في لبنان في تحقيقات وفضائح وجرائم كثيرة أخرى»، جازماً بأنه «في هذه المسألة لا يمكن المراوغة والمماطلة، ومصداقية الادارة الجديدة في مصرف لبنان على المحك. ومسؤوليتها كبيرة ليس تجاه اللبنانيين فحسب، بل تجاه المؤسسات الدولية كي تثبت أنها جدية في التعاطي مع مخلّفات الماضي، وفي محاسبة المسؤولين عنها وانها جديرة بثقة المؤسسات المالية الدولية التي تتعامل معها».
يشدد أفيوني على أنه «اذا انعدمت الثقة بمصرف لبنان ومصداقيته، وسمعته وشفافيته وقدرته على الاصلاح، فإن المؤسسات الدولية ستعاقبه تلقائياً عبر الحد من التعامل معه وهذا أمر خطير. لذلك انا اعتبر مسألة العمولات هذه اختباراً جديداً وكبيراً امام الحاكم بالانابة وفريق العمل الجديد، والتعاطي معها ونتائج التحقيق لها انعكاسات جسيمة على سمعة مصرف لبنان وعلى التعامل معه في الاسواق العالمية».
رياشي: القاضية غادة عون تحقق في هذه القضية ومن المفروض تسهيل عملها… أما التحقيق الداخلي فغالباً ما يتم لتغطية المرتكبين ورفع العتب
يشرح رئيس مجلس ادارة I&C Bank جان رياشي لـ»نداء الوطن» أنه إذا «أردنا أن نقيّم ما يحصل من دون الحكم على النوايا، فمن الطبيعي أن تعمد اي شركة يحصل فيها اختلاسات الى معالجة الامور من خلال اجراء تحقيق ولا يعني بالضرورة انهم يريدون اخفاء الحقيقة وهذا ما يفعله مصرف لبنان حالياً. القاضية غادة عون تحقق في هذا الموضوع ومن المفروض تسهيل عملها، ومصرف لبنان يريد ارسال التحقيقات الى هيئة التحقيق الخاصة. وفي كل الاحوال هناك مجلس مركزي جديد في مصرف لبنان لم يتورط بهذه العمليات، ومن المفروض ان يقوموا بمراجعة لكل الاخطاء التي حصلت. واذا لم يتم ذلك فهذا يعني ان هناك ضغطاً سياسياً يمنعهم ولبنان معروف بهذا الامر». مشدداً على أن «المشكلة هي أن التجربة في لبنان تدل على أن اجراء التحقيق الداخلي غالباً ما يتم لتغطية المرتكبين ولرفع العتب، لكن من حيث المبدأ ليس خطأ اجراء تحقيق داخلي ووضع تقرير يظهر ما هو مصير الـ 8 مليارات التي اهدرت، ومن المنطقي القيام بتدقيق داخلي لتوضيح الصورة واكتشاف الاخطاء التي حصت و تحويلها الى القضاء».
يضيف:»بحسب تقرير كرول هذه العملية وافق عليها المجلس المركزي القديم، ببيع شركة أوبتيموم سندات (مع كامل العوائد المتعلقة بها) وفي نفس الوقت يعاد شراء هذه السندات من دون العوائد ومجموعها هو 8 مليارات دولار، لكن هذه العوائد لم تبق في شركة أوبتيموم بل عادت الى مصرف لبنان بشكل عمولة. اي ان البنك المركزي مثلاً باع أبتيموم سنداً بمبلغ معين (بعد اقراضها المبلغ) واقتسم الربح بالمناصفة معها، ثم باعت «اوبتيموم» السند للمركزي مرة ثانية بمبلغ معين واحتفظ بنصفه، ثم عادت وردته الى مصرف لبنان على شكل عمولة»، لافتاً الى أن «تقرير كرول يفترض ان المركزي اتخذ هذا القرار من اجل تحسين ميزانيته. وهذا يعني انه كان يهدف الى ادخال ارباح في نفس العام الى ميزانيته لتغطية خسائر في أماكن اخرى أي الهندسات المالية التي أبرمها مع المصارف منذ 2016 وكانت تكبده الخسائر. بمعنى آخر قام بتركيبة محاسبية لتغطية الخسارة، أي أرسل الارباح لاستردادها على شكل عمولات، لأن الارباح مستقبلية بينما العمولات آنية ويمكن ادخالها بسرعة في ميزانية المصرف».
يشدد رياشي على أنه «وفقا لأصول المحاسبة العالمية هذا الامر لا يجوز. لأن لا جدوى اقتصادية لها، ومن المفروض بالمصرف المركزي مناقشة هل هذا الامر مقبول أم لا، لأنه يُعد تزويراً في البيانات المحاسبية للمصرف المركزي. هناك قرار خطأ اتخذ حينها بغض النظر عن موضوع الاختلاسات. ويجب على مصرف لبنان ان يقوم بمراجعة لطريقة العمل المحاسبية لأنها خطأ في الاساس»، جازماً بأنه لا يمكن تركيب طرابيش بهدف تجميل ميزانية المصرف المركزي واخفاء خسائر. الموضوع واضح أن مصرف لبنان خلق عمولات وهمية بهدف اخفاء الخسائر. والخطير ان تقرير الفاريز أند مارسال لاحظ ان هناك عمليتين من 45 عملية تمت، وأن العمولة التى استعادها المركزي، بدل ان تسجل في ميزانيته، دخلت على حساب ثم خرجت منه لصالح أطراف ثالثة، وهذا يعني حصول اختلاس».
ويشير الى أن «هناك عمليتين بعمولات فوق 100 مليون لم تبق في مصرف لبنان بل خرجت الى حسابات اطراف ثالثة، وعلى وحدة التفتيش اكتشافها. وهذا الامر غير واضح في تقرير الفاريز أند مارسال، الذي ينص على أن هذا الحساب نفسه الذي استعمل للدفع لشركة فوري، وعلى مصرف لبنان التدقيق بهذا الموضوع والتأكد من ان الامر اقتصر على هاتين العمليتين فقط ام لا».
يلفت رياشي الى أن «هناك من يطرح الاستعانة بشركة تدقيق اجنبية بهدف الوصول الى الحقيقة، وعدم طمسها كما تجري العادة في التحقيقات الداخلية. وكمصرفي أقول أنه يجب ان يكون الطرف المعني مالكاً للداتا المطلوبة لإجراء التحقيق، وطرح هذه الفكرة هو بسبب عدم الثقة بوحدة التفتيش في البنك المركزي».
ويختم: «هناك خطآن ارتكبا هما الآلية التي اعتمدت، أي إكساب «أوبتيموم» أرباحاً ثم الحصول عليها كعمولة وهذا يعني تزويراً في المحاسبة، والثانية هو حصول اختلاس. والبنك المركزي يمكن ان يعرف الى أين حوّلت هذه الاموال بدل بقائها في حساباته، ومن هم أصحاب العلاقة المستفيدين، وهذا يعني تورطهم ومشاركتهم في الاختلاس».
أبو سليمان: على مصرف لبنان طلب شركة تدقيق أجنبية متخصصة لأن الأموال التي أُهدرت هي أمواله وبالتالي أموال المودعين والمصارف
يوافق الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان على مقولة «ان اسناد التحقيقات الى وحدة التفتيس المركزي في مصرف لبنان للتحقيق في عمولات شركة اوبتيموم هو موضع شك»، شارحاً لـ»نداء الوطن» أن «المصرف المركزي هو طرف في هذه العمليات، من الافضل أن تتولى التحقيقات شركة تدقيق خارج نطاقه. مع ان خطوته بفتح تحقيق بحد ذاتها تحسب له وليس عليه، إنما لتأمين مصداقية أكبر لهذه التحقيقات يجب أن يكون هناك شركة تدقيق عالمية تدقق في العمليات والعمولات التي تمت».
يضيف: «اذا تبين أن هناك عمولات لطرف ثالث تم قبضها، يصنف هذا الامر ضمن الجرائم المالية، لا يمكن الجزم بذلك ولكن هذا يرتب على مصرف لبنان لاحقاً رفع دعاوى على المرتكب، وهذه الصفقات يمكن ان تكون أرقاماً لتجميل ميزانيات مصرف لبنان أو أن تكون صفقات ترتبت عليها عمولات»، معتبراً أنه «عندها يجب أن يكون هناك لجنة تدقيق تعنى بهذا الملف، وعلى مصرف لبنان طلب تأليفها لأن الاموال التي أُهدرت هي أمواله، وبالتالي أموال المودعين والمصارف ولذلك أتمنى أن يعين مصرف لبنان شركة تدقيق أجنبية».
ما مسؤولية رياض سلامة؟