أصدر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة قراراً حمل الرقم 3، وبموجبه حُسم الخلاف في صندوق الضمان بين من يريد إلغاء هيئة مكتب مجلس الإدارة، ومن يريد الإبقاء عليها. فقد قرّرت الحكومة الإبقاء على هذه الهيئة من دون أن تستجيب للأصوات الآتية من الضمان والمطالبة بإلغائها، معتبرةً أنّ الإلغاء مؤجّل لحين تشكيل مجلس إدارة للضمان وفقاً للقانون الجديد الرقم 319، الصادر عام 2023، والذي ينصّ على إلغاء الهيئة ونقل صلاحياتها إلى مجلس الإدارة الجديد. وهذا يعني أنّ مجلس الوزراء صادق على رأي اللجنة الفنية في الصندوق ورأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل التي أوضحت أن «إلغاء هيئة مكتب الإدارة مرتبط بتكوين مجلس الإدارة الجديد الذي يشتمل على أعضاء ذوي اختصاص ليسوا موجودين في المجلس الحالي».مسألة إلغاء هيئة مكتب مجلس إدارة الضمان أتى بعد إقرار القانون 319 الذي يعدّل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي، وينشئ نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، إذ تضمنت مادته الـ11 النصّ الآتي: «تلغى من أحكام قانون الضمان الاجتماعي هيئة مكتب مجلس الإدارة، ويتولّى مجلس إدارة الصندوق المهام والصلاحيات المفوّضة إليها». لكن تطبيق هذا القانون يتطلب إصدار سلّة واسعة من المراسيم التطبيقية التي لا تزال قيد الإعداد. لذا، رأت اللجنة الفنية في 17/1/2024 أن هيئة مكتب المجلس تشكّل جزءاً عضوياً من مجلس الإدارة وتؤلّف معه كياناً واحداً، وأن إلغاءها يؤدّي حكماً إلى إلغاء المجلس، ما يعني أن النصّ القاضي بإلغاء هيئة المكتب لا يطبّق إلا على المجلس الجديد عند تأليفه وفقاً لأحكام القانون 319.
لكن بعض النافذين في الضمان، رفضوا نتيجة دراسة اللجنة الفنية، فيما هم يسعون إلى الغاء هيئة المكتب للإمساك بالقرار. إذ إن صلاحيات هيئة المكتب واسعة وفيها أشخاص لا يمكن «المونة عليهم» مثل فضل الله شريف، غسان غصن، رفيق سلامة…
هكذا، قرّرت مجموعة في الضمان أن تستعين بديوان المحاسبة حيث لديها «يد سياسية». طلبت هذه المجموعة من الديوان رأياً استشارياً بمدى جواز تطبيق نصّ المادة 11 وإلغاء هيئة المكتب والآثار المالية المترتبة على ذلك. ورغم أن الديوان ليس الجهة الصالحة لإعطاء هذا الرأي الاستشاري، كون صلاحية تفسير التشريعات «تعود إلى هيئة التشريع والاستشارات أساساً، ولديوان المحاسبة رأيه في الأمور ذات الطابع المالي» بحسب ما قال رئيس مجلس الضمان غازي يحيى، فقد أصدر الديوان رأياً هزيلاً يستند إلى المادة الثانية من قانون الضمان التي تتعلق بالتعويض عن اجتماعات المجلس والهيئة، أي إنه يشير إلى أن استمرار الهيئة يكبّد الضمان مبالغ مالية إضافية، لكنه لم يقدّم أي تفسير تشريعي يتعلق بأصل تطبيق النصّ الجديد.
بالتزامن مع طلب استشارة ديوان المحاسبة، كان رئيس مجلس الضمان قد راسل وزير العمل وأطلعه على كامل الملف طالباً «إعطاء التوجيهات اللازمة». وزير العمل أفادهم باستمرارية هيئة المكتب سنداً لرأي اللجنة الفنية، ولمبدأ استمرارية المرفق العام. وبعدما تبلّغ الصندوق راي الديوان الاستشاري، تبيّن أن هناك عقبة أساسية: لمن تنتقل صلاحيات هيئة المكتب بعد إلغائها؟ رغم ذلك، سارع المدير العام للضمان إلى طلب عقد جلسة استثنائية تهدف إلى إعادة التصويت على القرارات التي اتخذتها هيئة المكتب سابقاً.
واستمرّت هذه المهزلة، لحين وجّه أعضاء في هيئة المكتب كتاباً إلى وزير العمل مصطفى بيرم يشيرون فيه إلى أن الرأي الاستشاري الذي طلبه المدير العام من الديوان «يخرج عن الأمور المالية المنصوص عنها في المادة 87 من قانون تنظيم المحاسبة، ويكون الديوان بالتالي، غير صالح لإبداء الرأي بشأنه، فضلاً عن أن المدير العام للصندوق، هو رئيس الجهاز التنفيذي ويعمل تحت إشراف مجلس الإدارة، ولا يملك صلاحية طلب إبداء الرأي في قضية من اختصاص مجلس الإدارة، أي السلطة التقريرية في الصندوق»، فضلاً عن أن المادة 9 من قانون تنظيم وزارة العدل أولت «هيئة التشريع والاستشارات صلاحية تفسير النصوص القانونية بناء على طلب الوزير المختص». وأشار الكتاب إلى أن تدخّل المدير العام للصندوق في الأمور الذاتية لمجلس الإدارة هو تجاوز لصلاحياته، ولا سيما لجهة طلب الاستشارة، ولجهة «طلب إعادة التصويت على قرارات هيئة المكتب التي قرّر المدير العام أنها غير قانونية». ورأت الهيئة أن هذه المسألة تمثّل «تمادياً في تعطيل هيئة مكتب مجلس الإدارة».
جزئياً انتهى الأمر بصدور رأي هيئة التشريع في 13 حزيران الماضي، والذي يرد فيه أن هيئة المكتب مستمرّة. لكن هذا النقاش لم يكن قانونياً فقط، بل كان في جوهره يتعلق بتوازن القوى داخل الضمان. إذ إن تحرّك المدير العام نحو إلغاء هيئة المكتب، هو بمثابة محاولة لكتم الصوت المعارض لتوجهات الإدارة، بل تبدو هيئة المكتب أكثر نشاطاً ومن صلاحياتها البتّ «بالقرارات التي لا يفرض القانون عرضها على مجلس الوزراء، ولا تتطلب مصادقة سلطة الوصاية»، والبت «بالقرارات الواجب اتخاذها نتيجة لتقارير اللجنة الفنية، أو ملاحظات سلطة الوصاية»، كما «تعيين مستخدمي الفئتين الثالثة والثانية نتيجة مباراة».
ويظهر الانقسام في مجلس إدارة الضمان حول مصير هيئة المكتب بوضوح في الجلسات. ففي نهاية الشهر الماضي، طلبت إدارة الضمان عقد جلسة استثنائية افتتحها رئيس مجلس الإدارة غازي يحيى بالمستجدات الطارئة، وطلب من مديرة شؤون المجلس تلاوة رسالة وزير العمل التي أكّد بيرم في نصّها على عدم صلاحية ديوان المحاسبة في الاستشارات التشريعية، طالباً الأخذ برأي لجنة الاستشارات والقضايا في وزارة العدل. هنا بدأ مريدو تصفية هيئة إدارة المكتب بالظهور، فاعتبر عضو مجلس إدارة الضمان مارون السيقلي أنّ لديوان المحاسبة صلاحية مالية على الضمان، بالتالي يجب الالتزام بتوصيته، وفقاً لما ورد في محضر الجلسة، وهو موافق لرأي رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر.
في حين وجد أعضاء الهيئة الموجودون في مجلس الإدارة في النقاش حول إلغاء الهيئة، والتجاذب حول صوابية رأي هيئة الاستشارات والقضايا أو ديوان المحاسبة «عملاً على إذلالهم، وتعطيلاً للقوانين عن سابق تصور وتصميم، واستقواء من أشخاص يريدون حسم الخلاف القانوني حزبياً»، وفقاً لما جاء في محضر الاجتماع نقلاً عن عضو مجلس الإدارة وهيئة المكتب فضل الله شريف. فاحتج على عدم صوابية الأخذ برأي ديوان المحاسبة بتذكير الحاضرين بأنّ وزير العمل بيرم كان رئيس مصلحة في ديوان المحاسبة، ولم يعطِ رأياً في عشرات الكتب المحالة إلى الديوان لأنّها خارج صلاحيته. ومن جهته، وجد رفيق سلامة، وهو عضو في هيئة المكتب أيضاً «أنّ المسؤول عن تطبيق القوانين هو مجلس الإدارة تحت سلطة الوصاية، وعند حصول أي التباس، يبت الوزير بالخلاف، بالتالي لا يمكن المفاضلة بين رأيين، بل على المجلس السير برأي وزير العمل». وانتهى النقاش بطلب فض الخلاف في مجلس الوزراء، وهو بالفعل ما حصل عندما أصدر المجلس قراره بالسير تبعاً لرأي هيئة التشريع لا تبعاً لرأي ديوان المحاسبة ومن يقف وراءه.