هذه هي التحديات الاقتصادية أمام العهد الجديد

لا يختلف اثنان على ثقل التركة على كاهل العهد الجديد في لبنان على مختلف المستويات، ومن ضمنها المستوى الاقتصادي الذي أفرد له رئيس الجمهورية جوزف عون في خطاب القسم حيزا مهما استوقف الخبراء الاقتصاديين والماليين، فما أبرز التحديات الاقتصادية أمام العهد الجديد؟

الخبير والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين قال في حديث إلى «الأنباء» إن «لبنان يحتاج إلى رؤية اقتصادية جديدة لإعادة النهوض بعد انهيار اقتصادي عام 2019 ونتائج سياسات مالية ونقدية واقتصادية دفع ثمنها المودعون والاقتصاد اللبناني والواقع الاجتماعي».

وأضاف «نقرأ في خطاب الرئيس جوزف عون بعض النقاط المهمة، منها العمل على إقرار قانون لاستقلالية القضاء، والذي له انعكاس كبير على الواقع الاقتصادي والاستثماري، لأن الاستثمارات لا تأتي بوفرة إلى بلد القضاء فيه مرتبط بالواقع السياسي. كما أن الخطاب ركز على مبدأ الكفاءة على حساب الزبائنية، وهذا أمر فعال بالنسبة إلى الإدارة، مثله مثل الشفافية في موضوع الصفقات وفي التوجه لتعيين الهيئات الناظمة في القطاعات الأساسية من كهرباء واتصالات ونقل. وهذه أمور تلعب دورا كبيرا جدا في معركة إعادة الهيبة إلى الدولة، فضلا عن مسألة التوجه إلى الإدارة الإلكترونية التي تعني الخروج من عالم السمسرات وجذب الاستثمارات وتحسين إدارة أصول الدولة».

وتابع «أما الملف الأكثر استنزافا للمالية العامة والمرتبط بالكهرباء، فهو التحدي الأساسي أمام العهد الجديد، لأن الحل لهذا الملف بطريقة علمية وبكلفة غير مرتفعة وتحوله من ملف خاسر إلى ملف يعود بإيرادات على الدولة، يمكن أن يمهد لاحقا لعلاجات في ملف المودعين، وبالتالي فإن إخراج ملف الكهرباء من التجاذب السياسي يترك إنعكاسات مهمة على الاقتصاد وإيرادات الدولة، خاصة إذا حصل توجه إلى الغاز والى إنشاء مصانع كهربائية والاستفادة من الطاقة البديلة».

وتوقف ناصر الدين عند موضوع «إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في عدوانها»، وهذا يعني، كما قال، إن «هناك أموالا ستأتي إلى البلد وسيكون هناك نمو واستثمارات وفرص عمل، فضلا عن مسألة إعادة إعمار مرفأ بيروت وتلزيمه لما للمرفأ من أهمية لكونه يشغل مئات القطاعات المرتبطة به».

وأكد أن «وضع رؤية للبنان 2030 يعني إعادة الإعمار والكهرباء والمرفأ وسكة الحديد والإصلاحات الاقتصادية واستقلالية القضاء، ما يؤدي إلى تحفيز الاستثمارات واستعادة البعد السياحي انطلاقا من أن لبنان هو منارة الشرق الأوسط. وهذا ما يمكن أن يشجع لبنانيي الخارج على العودة والاستثمار في الداخل، فضلا عن أن الانفتاح على المجتمع العربي والدولي له مساهمته بالتأكيد، باعتبار أن لبنان بلد صغير والنمو فيه يمكن أن يكون سريعا جدا».

أما التحدي الأكبر، برأي الخبير زياد ناصر الدين، فهو «كيفية معالجة الفجوة المالية المرتبطة بأموال المودعين، من خلال إقرار قانون يساعد على حفظ حقوقهم وعدم شطب أموالهم وخاصة فيما يتعلق بالمودعين الذين كانوا يعملون في القطاعين العام والخاص وفقدوا قيمة تعويضاتهم، إضافة إلى أهمية تكبير الاقتصاد والتخلي عن السياسات السابقة القائمة على الاستدانة واليوروبوندز والفوائد العالية»، وأثنى على «إتيان خطاب القسم على ذكر موضوع الإنتاج بعدما بلغ لبنان مرحلة الاستيراد بـ 22 مليار دولار والتصدير بـ 3 مليارات، ما سبب عجزا في الميزان التجاري وأضعف العملة الوطنية».

ولم يفت ناصر الدين التشديد «على موضوع التدقيق الجنائي وإعادة بناء صحيح للواقع المصرفي بعيدا عن المحاصصات، والنظر في حقوق الدولة في الأملاك البحرية والنهرية، واعتماد مبدأ الشراكة مع صندوق النقد الدولي وإقرار القوانين المتصلة بالنفط والغاز والإصلاح الضريبي والتحفيزات للشركات والمعامل، انتهاء بموضوع النازحين السوريين وإجازات العمل».

أما مدير المعهد اللبناني لدراسات السوق الخبير الاقتصادي د.باتريك مارديني فقال من جهته لـ «الأنباء»: «المطلوب أولا من العهد الجديد الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة الذي بدأ في العام 2023، وهذا تحد كبير بالنظر إلى مؤشرات حالية غير مشجعة. وهذا الحفاظ ممكن من خلال الاستمرار في سياسة تخفيض حجم الكتلة النقدية، أو على الأقل السيطرة عليها بعدم طباعة الليرة وعدم قيام المصرف المركزي بإقراض الحكومة أي أموال لا بالليرة ولا بالدولار».

أما التحدي الثاني، بحسب مارديني، فهو «مالية الدولة أو الموازنة العامة، بعدما سبق للحكومة أن أقرت موازنة فيها عجز». وقال «السؤال هو حول مصدر تمويل هذا العجز، وما إذا كان من خلال المساعدات الخارجية أو من خلال المصرف المركزي، لأنه في الحالة الثانية سنكون أمام خطر انهيار سعر صرف الليرة». ورأى أنه «ما عاد بإمكان الدولة اللبنانية إقرار موازنات فيها عجز، لأن إقرار موازنة متوازنة لا عجز فيها يثبت الاستقرار الذي كان بدأ لبنان يشهده أواخر العام 2023، من هنا فإن كبح جماح الإنفاق العام هو حجر الزاوية في الاستقرار النقدي والمالي».

وتوقف د.مارديني عند المنتظر من إصلاحات، فأشاد بما «تضمنه خطاب القسم من رسم للتوجه العام في هذا الإطار»، مشددا على «ضرورة توفير مروحة دعم لتنفيذ هذه الأجندة»، وأضاف «من غير المقبول حصول اللبنانيين على خدمات بهذا القدر من السوء وبكلفة مرتفعة، وهذا أمر يحتم تفكيك الاحتكارات كاحتكار الدولة الكهرباء والاتصالات والإنترنت والنقل الجوي والمياه والنفايات، وبالتالي فتح الباب أمام المنافسة. في موازاة ذلك، يجب استكمال هذه الإصلاحات باللامركزية، كأن يصار إلى تعيين هيئة ناظمة لمؤسسة كهرباء لبنان، لإعطاء تراخيص تسمح بدخول شركات إلى هذا القطاع لحل أزمة الكهرباء، على أن يسمح بالتوازي للبلديات بإعطاء تراخيص كهرباء على المستوى المحلي».

وتحدث مارديني عن «تحد آخر جيوستراتيجي له علاقة باعتماد لبنان على التجارة مع دول الخليج العربي والتي تتم عن طريق سورية»، وأكد «ضرورة إعادة تفعيل العلاقة مع الدول الخليجية وإصلاح العلاقة مع سورية». وفي موضوع الإعمار، قال إن «لبنان مع وجود رئيس جديد يمكن أن يحوز اهتماما أكبر من المجتمع الدولي للمساعدة على إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، على أن يثبت لبنان بالتوازي للمجتمع الدولي أن هذه الأموال التي ستنفق لن تذهب إلى مشاريع فساد وإنما ستصل إلى المكان الذي يجب أن تصل اليه. وهذا الأمر يحتم إصلاح الطريقة التي يتم من خلالها الشراء العام، وهذا تحد كبير لأن أحزابا سياسية كثيرة تنتفع عبر تلزيم المحسوبيات».

وبالانتقال إلى الأزمة المصرفية، ذكر د.مارديني أن «علاجها يتضمن دعما تقنيا من صندوق النقد الدولي من أجل إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ملحقة بإعادة هيكلة الدين العام لإقفال هذا الملف، بالنظر إلى كون المصارف أقرضت الحكومة ومصرف لبنان، والقطاع العام أنفق هذه الأموال التي هي أموال المودعين، وهو يتخلف عن سداد ديونه للمصارف والمستثمرين الدوليين»، وأضاف «هذه مشكلة كبيرة لأن حجم الخسائر يقدر بـ80 مليار دولار، لذا فإن إعادة هيكلة القطاع المصرفي ستكون قاسية، وهذا الملف سيكون الأصعب في ظل عوائق كثيرة، طالما أن المودعين يرفضون خسارة أموالهم وهم على حق، والمصارف تلقي المسؤولية على الدولة فيما الدولة تقول إنها لا تملك الأموال لردها، فمن تراه يهيكل من؟ وفي كل الأحوال، أنا مع إعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإعادة النظر في الاتفاق الذي كان اتفاق إذعان وشروطه قاسية على لبنان، من أجل التوصل إلى اتفاق جديد وتنفيذ بنوده للسير في العجلة الإصلاحية».

مصدرالأنباء الكويتية - بولين فاضل
المادة السابقةالبيوعات تتضاعف والأسعار تتحسّن.. القطاع العقاري بالأرقام
المقالة القادمةلبنان 2025 أمام فرصة ذهبية واصطفاف الكواكب لن يتكرّر