يتعامل أصحاب القرار في السلطتين التنفيذية والتشريعية مع الأزمة الإقتصادية على طريقة “سائرة والرب راعيها”. فاللامبالاة بهموم القطاعات الإنتاجية والخدماتية واستمرار حفلة “التكاذب” على اللبنانيين والعجز الفاضح عن اتخاذ القرارات المصيرية، باستثناء التحاصصية منها، وتقديم أبسط الحلول والمعالجات للمشاكل، يدفع يوماً بعد آخر بالبلد إلى قعر الهاوية حيث يصبح الخروج منها شبه مستحيل.
قبل انتهاء العام الماضي، وبهدف وقْف إذلال اللبنانيين على محطات البنزين، وافقت نقابة أصحاب المحطات مكرهة على طلب وزارة الطاقة باقتطاع حوالى 475 ليرة من جعالة المحطة عن كل صفيحة بنزين، من أجل تمويل تقلّبات سعر صرف الدولار، على أن تدفع المحطات ثمن البضائع للمنشآت النفطية 100 في المئة بالليرة اللبنانية.
القرار على علاّته، لم يصمد لأكثر من شهرين، حيث عادت منشآت النفط أخيراً إلى رفض تأمين المشتقات النفطية إلا بعد تسديد 15 في المئة من ثمنها بالدولار، وذلك بعدما أعادت وزارة الطاقة إلى جدول تركيب الأسعار ما اقتطعته من جعالة صفيحة البنزين.
أزمة تلوح في الأفق
أمام هذا الواقع في مقاربة الأسعار، الذي يشبه اللعب في زهرة “المارغريت”، تداعى أصحاب المحطات إلى عقد أوسع تجمع اليوم من أجل وقف “هذا الغبن والتدمير المتواصل لمحطات المحروقات، ولوضع القرارات الجريئة المتوجبة حيّز التنفيذ وإيجاد حل لهذه المهزلة ووقف الخسائر عن اصحاب المحطات”، كما أشار بيانهم.
مستشار نقابة أصحاب المحطات فادي أبو شقرا أشار إلى ان “فرض دفع 15 في المئة من قيمة البضائع بالدولار يعني عملياً أن على المحطات أن تؤمن مبلغ 2.5$ على كل صفيحة بنزين تشتريها، أو ما يوازي 5000 ليرة بسعر صرف السوق بدلاً من 3 آلاف ليرة، وبالتالي فإن فرق الدولار يُلحق بكل صفيحة بنزين خسارة بقيمة 2000 ليرة لبنانية”.
وبحسب أبو شقرا فإن “مادتي البنزين والمازوت متوفرتان في الأسواق، إنما المشكلة هي في عجز اصحاب المحطات عن شراء الدولار على سعر صرف السوق فيما الوزارة تضع جدول تركيب الأسعار على سعر الدولار الرسمي أي 1500 ليرة”.
الحقيقة المرّة
تعاظم المشاكل وتنقلها من قطاع إلى آخر يعود إلى “رفض المسؤولين قول الحقيقة، ومصارحة المعنيين والرأي العام بما يحدث ومرحلة الخطر التي وصلها لبنان”. يقول عضو اللجنة التنفيذية في حزب “الكتلة الوطنية” النائب السابق روبير فاضل: “إنهم ينكرون الكابيتال كونترول فيما يطبقونه خفية، ويقولون إنه لا توجد قيود على التحويلات فيما يعجز المودع عن إخراج دولار واحد، ويدّعون بأن لا تغيير في قيمة العملة في حين ان سعر الصرف وصل إلى 2500 ليرة، ويقولون إنهم قادرون على إدارة البلد بنفس الطريقة وهم عاجزون”.
ويرى فاضل أن “المشكلة تعود إلى العام 2015، تاريخ نشوب آخر أزمة قبل الأزمة الحالية، حيث قررت الدولة الهروب إلى الأمام بدلاً من القيام بالاصلاحات الضرورية حين كانت الفرصة مؤاتية. ولغاية الساعة ما زلوا مستمرين في النهج ذاته”.
بنزين “الوزارة” بلا فائدة
هذا الواقع المرير يأتي بعد حملة “التهليل والتطبيل” لشروع وزارة الطاقة باستيراد مادة البنزن ووعد اللبنانيين بعدم السماح بانقطاع المادة وتكرار الازمة. إلا انه في الواقع لم تتخطّ كمية البنزين المستوردة من قبل الوزارة الـ 24 ألف طن من أصل 150 ألف طن، ولم تساهم رغم ضآلتها باضافة أي فائدة على المواطنين.
مع اتجاه أصحاب المحطات إلى إعلان الإضراب المفتوح، عادت لتصطف السيارات في طوابير بمشهدية يبدو أنها ستتكرر كثيراً هذا العام، أمام كل المرافق والمؤسسات. اليوم تصعيد أصحاب المحطات وبعدهم أصحاب المولدات والمصانع والتجار وغيرهم الكثير من القطاعات التي ستبدأ بالتوقف تدريجياً عن تقديم الخدمات، بانتظار جلاء الحقيقة والبدء بتنفيذ سياسات عادلة لا تحمّل الطبقات الفقيرة عبء التجربة الفاشلة.