خجولة ووضيعةحتى الساعة الخطوات والأخبار التي تتوارد تباعاً ويومياً عن محاربة الفساد والهدر في لبنان رغم أن هذا الأمر مطلوب وبإلحاح وسرعة من الدول المانحة والمدينة في مؤتمر سيدر ليُبنى على الشيء مقتضاه…
فتوقيف معقّب معاملات في العدلية أو العقاربة، أو وضع موظف أو محام أو قاض في التصرّف وعلى لائحة الانتظار، أو إحالة موظف في مصلحة تسجيل السيارات على مجلس تأديبي، أو توقيف صاحب مولّد لم يضع عدّاداً للمشترك… كلها تدابير وإجراءات بسيطة لا تسمن ولا تغني من جوع، وصولاً إلى استهداف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ليظهر وكأنه هو من ساهم في إيصال الوضع المالي إلى ما هو عليه، فيما كانوا يكيلون له المديح والثناء على مدى 25 عاماً لأنه حافظ على النقد وعلى ثبات وقيمة العملة اللبنانية ومنع الانهيار… إلى آخر المعزوفة وذلك بالتزامن مع حصول مناكفات وخلافات بين الزعماء ورؤساء الأحزاب حول تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة.
لكن ما هو أعمق وأخطر من كل الملاحقات والتوقيفات هو الأسئلة الكبيرة التي لا بدّ من الإجابة عليها إذا كانت عملية محاربة الفساد ستصل إلى النتيجة المرجوة.
– من استدان أموالاً باهظة باسم الوطن دون أي خطة لتسديد الدين الذي بلغ مئة مليار دولار؟
– من سرق أو تعدّى أو صادر مشاعات الدولة والأملاك العامة وشاطىء البحر؟
– من جعل التوظيف عشوائياً وفق المحسوبيات والمحاصصات والزبائنية على مدى ثلاثين سنة؟
– من أرهق الخزينة بملف الكهرباء الذي ما بعده فضيحة؟
– من سمح لأزلامه ومناصريه بالاعتداء على المجاري النهرية وسدّها وتلويثها؟
– من سمح لمناصريه بسرقة الكهرباء وعدم دفع الفواتير والتعليق على الشبكة؟
– من سمح بدخول البضائع عبر المرافق العامة من دون رسوم جمركية ومن دون أي معاملات إدارية؟
– من يحمي مهربي البشر من نازحين ولاجئين عبر الحدود من دون أي حساب للمصلحة الوطنية؟
– كل مواطن يعلم ألا وجود لسمسار ومرتش ومعقّب معاملات ومهرّب وسارق لأموال المواطن تحت أي حجة، من دون حماية زعيم أو نافذ أو صاحب سلطة.
لا وجود لمخالف يضرب عرض الحائط بالقانون إذا لم يكن وراءه حماية ودعم.
فنداء إلى فخامة الرئيس وإلى كل من يصرّح ويجاهر بمحاربة الفساد: إن محاكمة الأسماك الصغيرة لن تكون حلاً طالما أن أسماك القرش والحيتان تسرح وتمرح من دون حسيب أو رقيب.
وهذه الرواية من أيام إسكندر المقدوني قد تكون معبّرة وتصف بعض الواقع:
حكي أن جنود الإسكندر الكبير قبضوا على أحد القراصنة وأحضروه أمامه فسأله: لماذا تستخدم مركبك لسرقة الناس وأخذ ما ليس لك.
فأجابه القرصان: “أنا افعل ما تفعله حضرتك تماماً… فأنا يا سيدي أملك مركباً استخدمته للسطو لأعيش وأبدّل أحوالي نحو الأفضل فأطلقتم علي إسم القرصان. أما انت فتملك أساطيلاً تغزو بها بلداناً ومدناً وشعوباً فيسمونك الأمبراطور الكبير.
فلماذا أنا القرصان وأنت الأمبراطور ونحن نقوم بنفس العمل؟
فليسموني الأمبراطور الصغير أو ليسمّوك القرصان الكبير…”
ووسط الخلاف السياسي حول من هو الفاسد ومن أين نبدأ؟
يبدو أن لا حلّ في الأفق سوى بتوبة الأباطرة والقراصنة الكبار لأن لا أحداً يمكنه إيقاف اي منهم إلا إذا إكتفوا بما أخذوه ونهبوه وقرروا سلوك الطريق المستقيم.
قراصنة المراكب الصغيرة سيتوقّفون فوراً إذا توقف الأباطرةوقراصنة الأساطيل الكبيرة عن الهدر والفساد والسرقة.
فحذار اللعب بالنار التي تقترب من بارود الأزمات المتراكمة، فنحن في قلب الخطر وعلى شفير الانفجار والانهيار الذي إذا ما حصل سيطال كل البلد وكل الأباطرة والقراصنة الصغار منهم والكبار.