إجتازت الحكومة اللبنانية قطوع خطة الكهرباء. الشروط التي وضعتها الدول والصناديق الدولية المعنية بمؤتمر سيدر، والتي طالبت بإلغاء عجز مؤسسة كهرباء لبنان ونقل كلفة دعم أسعار الكهرباء من الموازنة العامة إلى المستهلكين، يبدو انها فعلت فعلها على طاولة مجلس الوزراء، فاختفت الاعتراضات الجوهرية التي رفعها بعض مكونات الحكومة سابقاً. مرّت الخطة بلا الخلافات التي كانت متوقعة، وخاصة لجهة تحديد المسؤول عن إجراء المناقصات
أرخَت سياسة التوافُق مظلّتها على طاولة مجلس الوزراء. بعد نحو ثلاثة أسابيع من النقاشات في اللجنة الوزارية المكلفة مناقشة خطّة الكهرباء، وخلاف القوى السياسية حولها، سلكت الخطة طريقها الى الإقرار بسهولة. ربما، في وجود «شرط» لمؤتمر «سيدر» بضرورة التوصل إلى وقف عجز مؤسسة كهرباء لبنان، قررت مكونات مجلس الوزراء عدم الاعتراض، جوهرياً، على الخطة التي أعدتها وزارة الطاقة بالتنسيق مع البنك الدولي، مستندة إلى الخطة التي أعدها الوزير جبران باسيل عام 2010، وإلى ملاحظات القوى السياسية.
وفيما ترقّب الجميع في الأيام الماضية مصير الخطة في الحكومة وإمكان تمريرها بالتوافق أو بالتصويت نتيجة التباين حيال مرجعية إجراء المناقصة (إما إدارة المناقصات أو في اللجنة الوزارية) وتعيين الهيئة الناظمة، لم يكُن أحد ليتوّقع أن يكون الجوّ إيجابياً إلى هذا الحدّ، بحسب أكثر من مصدر وزاري.
وقالت المصادر إن «أحداً من وزراء تيار المستقبل لم يدخل في النقاش، ووحده الرئيس سعد الحريري هو من عبّر عن موقف تياره، فيما كان للوزير جبران باسيل حصّة الأسد من الكلام». وقد سجّل الأخير اعتراضين «مذكراً بالطعون التي كانت تحصل في مجلس شورى الدولة، مشيراً الى أن العودة الى دائرة المناقصات يجب أن تسري على القطاعات كافة»، في إشارة إلى الإتصالات. وشدّد على أن «لا يخرج أحد من الأفرقاء ويتحدث عن ربح وخسارة أو عن إنجاز سجّله علينا». وقد دعم باسيل في كلامه عن تسريع تنفيذ الخطة وعدم عرقلتها الوزيران سليم جريصاتي ويوسف فنيانوس، فيما كان الوزير علي حسن خليل متناغماً مع العونيين أيضاً. وأدى الرئيس ميشال عون «دورا إيجابيا جداً خلال النقاش بين مختلف المكونات، وكان مصراً على عدم رفع الجلسة قبلَ إقرار الخطة»، معلّقاً بالقول: «من هو الموظف مهما كان موقعه، الذي سيستطيع عرقلة مثل هذه الخطة؟»، قبل أن يوافق مجلس الوزراء على اعتماد دائرة المناقصات مع ضوابط لمنع أي عرقلة في تنفيذ الخطة. وتم الاتفاق على النقطة الأهم التي تضمن تمديد القانون ٢٨٨/2014 بما يسمح لإدارة المناقصات بتنفيذ مناقصات وفق عقود الـbot (بناء المعامل من قبل القطاع الخاص ثم تشغيلها وبيع انتاجها إلى مؤسسة كهرباء لبنان، ثم نقل الملكية والإدارة إلى الدولة بعد مدة طويلة)، بعد اقتراح تقدم به الوزير محمد فنيش وعدّلته الوزيرة ندى بستاني، ونتج عنه مشروع قانون معجّل ينص أولاً على تمديد العمل بأحكام هذا القانون لمدة ثلاث سنوات. وجرى الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية جديدة أُوكلت لها مهمة حسم أي خلاف بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات التي ستتولى البت في دفتر الشروط، ومن ثم ترفع اللجنة تقريراً الى مجلس الوزراء لاتخاذ الموقف المناسب. وبعد الجلسة، أجرى الرئيس ميشال عون اتصالاً هاتفياً بالرئيس نبيه بري الذي وعد بإدراج مشروع القانون على جدول اعمال أول جلسة تشريعية.
أما الهيئة الناظمة الذي كان يُفترض أن يسبق إقرار الخطة، فقد اتفق على أن يتمّ العمل على تعيينها لاحقاً، وذلك بعدّ أن أصر عليها وزير المال خلال الجلسة وفقَ ما نصّ عليه البيان الوزاري، وكان للقوات وتيار المردة الموقف نفسه. وهنا سألت بستاني: «لماذا لا يتم تعيين الهيئات الناظمة للإشراف على كل القطاعات، ولماذا في الكهرباء وحدها؟»، معتبرة أن «تعيين الهيئة الناظمة الآن سيعيد الأمور الى نقطة الصفر لأن كل البنود التي أقرت في الخطة ستعود الى الهيئة». ولم يبتَ في أمر الهيئة «نتيجة إصرار بستاني على تعديل القانون، فتم الاتفاق على إنجاز ذلك لاحقاً». وفيما كان وزراء القوات وحركة أمل وتيار المردة مصرين أيضاً على تشكيل مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، رفضت بستاني أن يقال إن مجلس الوزراء هو من دعا الى تشكيل مجلس الإدارة لأنها طالما دعت هي الى تشكيلها وتسمية الأعضاء فيها. وقالت: «إذا أردتم أن تقرروا الطلب إلى وزارة الطاقة تعيين أعضاء مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، فعليكم أن تطلبوا من كل الوزراء أن يقترحوا ملء الشواغر في وزاراتهم”.
وكان الحريري قد أعلن بعد الجلسة أن مجلس الوزراء أقر خطة الكهرباء بالاجماع والجو كان ايجابيا وتمّ الاتفاق على تمديد القانون 288، وهذه أول مرة سيكون هناك مناقصة BOT في إدارة المناقصات ويتم العمل على تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء. الحريري أكد «وجوب تلزيم الكهرباء بأسرع وقت، ومن يتقاعس سيدفع الثمن ومالية الدولة لا تتحمل التأخير بالخطة يوماً واحداً»، معتبراً أن «كلّ دائرة عليها أن تقوم بعملها ومن يتخلّف عن هذه الأعمال سيُعاقب تبعاً للقانون». وشدد على أن «الخطة سترضي الشعب اللبناني لأنها ستؤمن الكهرباء 24 على 24»، كما أنها «تخفض العجز الذي تتكبّده الموازنة وتصنيف لبنان سيأخذ بالإعتبار أن الخطة واضحة وأن لبنان يقوم بخطوات للاصلاح وكل المؤسسات الدولية سترى ان لبنان يعتمد خطوات ايجابية لتحسين هذا المجال». وزير العمل كميل ابو سليمان قال بعد الجلسة: «سنتأكد من أن الخطة ستطبّق كي لا تلقى مصير خطط سابقة ويبقى موضوع الهيئة الناظمة. ومرتاحون للخطة كما خرجت». فيما غرّدت وزيرة الطاقة والمياه عبر حسابها الخاص على تويتر: «ورقة سياسة قطاع الكهرباء المحدّثة أصبحت واقعاً. فلنعمل سويّاً على إنجاحها». أما وزير الدفاع الياس بوصعب فكتب بدوره: «شهدت اليوم على نموذج جديد من حكمة الرئيس عون من خلال إدارة جلسة إقرار خطة الكهرباء اذ نجح بحكمته بإدارة النقاش والحوار البنّاء بين الجميع وصولا إلى المنطق والحسم بالقرار بالتفاهم مع رئيس الحكومة لضمان منع أي عرقلة تنعكس سلبا على المواطنين”.
التناغم في الجلسة لم ينسحِب على علاقة التيار الوطني الحر بالقوات. إذ غرّد باسيل بعد الجلسة على صفحته على «تويتر»: «خسّروا لبنان سنين وكلفوا الخزينة أموالا. المهم خلصت البطولات الوهمية وبقيت الخطة الحقيقية، هي ذاتها من الأوّل والباقي حكي. المهم التنفيذ من دون عرقلة لتتنفّذ الوعود: ٢٤/٢٤ وصفر عجز». وقد استدعى ذلك رداً من نائب القوات عماد واكيم الذي قال تعليقاً على تغريدة باسيل: «معاليك بيكفي، سئل الحكيم اليوم فأجاب أنه انتصار للحكومة، وهو ايضاً بداية نحو محاولة إنقاذ الاقتصاد. اما في المضمون، أنا اقول لك أنك منذ عشر سنوات وانت تعرقل لأنك ضد إنشاء المعامل ومغروم بالبواخر وقد كلفنا غرامك هذا حوالي ٣٠ مليار دولار انت مسؤول عن هدرها». فيما أكدت الوزيرة مي شدياق أن «ليس هناك من فريق منتصر على آخر في اقرار خطة الكهرباء ونتمنى ان نكمل بالمسار عينه وحريصون على انقاذ البلد بما هو فيه انما بالطريق المستقيم». أما رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع فقال بعد اجتماع تكتل «الجمهورية القوية»: «سمعنا بعض الأصوات تتحدث عن عرقلة القوات لخطة الكهرباء. لدينا وزيران في اللجنة الوزارية فهل كان المطلوب أن نبصم على الخطة دون مناقشة؟». وأضاف: «دعينا إلى تشكيل الهيئة الناظمة وتعيين مجلس إدارة جديدة لكهرباء لبنان، والموضوع ليس موضوع عرقلة بل تكامل للوصول إلى نتائج أفضل من النتائج التي وصلنا إليها في الفترة السابقة». وشدد جعجع على أن «قانون المحاسبة العمومية يفرض أن أي مناقصة عليها أن تذهب إلى إدارة المناقصات، هذا الأمر ليس خياراً شخصياً وكل مناقصات الكهرباء يجب أن تعود إلى إدارة المناقصات وهذا ما أقر اليوم (أمس)”.