منذ إنفجار الأزمة اللبنانية في العام 2019، بات جميع المواطنين يراقبون بشكل يومي تطورات سعر صرف الدولار في السوق السوداء، نظراً إلى التداعيات التي يتركها على مختلف المستويات الإقتصادية والإجتماعية، لا سيما أن كل شيء في البلاد بات مرتبطاً بالعملة الخضرء، وبالتالي باتت هي “الحاكم” الفعلي في دورة حياة اللبنانيين اليومية، التي يدفعون ثمنها أكثر من مرة.
بعد كل هذا الوقت، بات هناك معادلات شبه محسومة، من الممكن أن تعطي صورة واضحة لما يحصل، أبرزها أن مصرف لبنان هو المقرر الأساسي في سعر الصرف الذي يعتمد في السوق السوداء، بدليل قدرته على خفضه أو رفعه عندما يقرر التدخل أو الإنسحاب من السوق، معتمداً على شبكة واسعة من الصيارفة الشرعيين أو غير الشرعيين، بحسب ما أكدت التحقيقات مع الذين تم توقيفهم في الفترة الماضية.
بالإضافة إلى ما تقدم، تشير مصادر متابعة، عبر “النشرة”، إلى إرتباط الأمر أيضاً بالتطورات السياسية إلى حد ما، أي أن تحديد السعر غير مقتصر على عمليات العرض والطلب فقط، على إعتبار أن هذه التطورات من الممكن أن تقود إلى تبدل في الأجواء القائمة في البلاد، لكنها في المقابل تلفت إلى دورة متكررة، تقوم على أساس إنخفاض سعر الصرف في الأيام الأولى من كل شهر، أي عندما يتقاضى الموظفون رواتبهم، ليعود إلى الإرتفاع بعد ذلك بسبب الحاجة إلى توفير الدولارات التي ستدفع في الشهر الذي يليه.
بناء على ذلك، تقرأ المصادر نفسها الإنخفاض الحالي في سعر الصرف، الذي جاء بعد أن كان قد وصل إلى ما يقارب 150 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، نتيجة قرار مصرف لبنان التدخل في السوق بائعاً للدولار على أساس سعر “صيرفة”، أي 90 ألف ليرة، لكن ما تدعو إلى التنبه إليه هو أن المصرف اضطر إلى دفع رواتب الموظفين في القطاع العام على سعر 60 ألف ليرة، ما يعني أن عليه أن يعمد إلى إعادة جمع الدولارات على أدنى سعر ممكن، لأنه سيكون بحاجة إليها في الشهر المقبل.
في هذا السياق، يوضح الخبير الإقتصادي محمود جباعي، في حديث لـ”النشرة”، أن المصرف المركزي، كما جرت العادة، يقوم بالتدخل عبر منصة “صيرفة” لهدفين: الأول هو شراء الدولار لتأمين حاجات الدولة، أما الثاني فهو تأمين حاجات الأفراد والمؤسسات، ويلفت إلى أن هذا التدخل، منذ عام ونصف العام، يتم لفترة محدودة، نظراً إلى أن المصرف لا يستطيع أن يستمر بهذا التدخل لفترة طويلة، لأنه يكبد خسائر في مكان ما.
وفي حين يلفت جباعي إلى أن مصرف لبنان لا يقوم بهذا الأمر من دون موافقة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل، أي أن لديه الغطاء السياسي، يؤكد أن مدة الإنخفاض مرتبطة أيضاً بالتطورات السياسية، كإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في الوقت الراهن، وبالتالي تكرار ما حصل خلال فترة الإنتخابات النيابية الماضية، حيث تم ضبط سعر الصرف لفترة محدودة، ويضيف: “المصرف المركزي هو الجهة الوحيدة القادرة على ضبط السوق”.
في المحصلة، يشدد جباعي على أنه مهما كانت فترة الضبط فهي لا تعني أنها تمثل حلاً جذرياً، بل هي عملية لشراء الوقت، بإنتظار تسوية سياسية تساهم في دخول العملات الصعبة من الخارج، على أن تتولى الحكومة المقبلة القيام بإصلاحات جذرية ووضع خطة تعافٍ سليمة.