الدولار تحت الضغط مع تسعير الغاز باليوان الصيني

تنظر الولايات المتحدة بقلق إلى ما يحدث حولها لزعزعة هيمنة عملتها الخضراء، رغم أنها تمضي في رفع الفائدة للمرة التاسعة تواليا على الأقل لكبح التضخم، غير آبهة بحجم الضرر الذي يحدثه ذلك على الكثير من الاقتصادات الناشئة.

وشكلت تحذيرات المستشارة الأميركية السابقة لوزير الخزانة مونيكا كرولي على قناة فوكس نيوز مؤخرا من أن تحاول دول أوبك مثل السعودية بيع النفط بعملات أخرى إشارة بأنه سيؤدي إلى “انهيار النظام الاقتصادي الأميركي ويعد بكارثة كبرى”.

واتخذت الإمارات الخطوة الأولى في هذا المجال، رغم أن السعودية كانت سبّاقة في إبداء انفتاحها على تسعير جزء من نفطها باليوان الصيني.

لكنّ دولا مثل الهند والبرازيل، تتوجه نحو التعامل باليوان في تجارتها الخارجية مع بكين، في حين تفضل دول أخرى في آسيا وأميركا اللاتينية تنويع سلة عملاتها في تجارتها الخارجية، ما يثير قلق المحللين من بداية انهيار عصر الدولار.

ففي أواخر مارس الماضي، أعلنت بورصة شنغهاي للنفط والغاز، أن شركتي الصين الوطنية للنفط البحري (كنوك) وتوتال إنرجيز أتمتا عبرها أول تعاملات الصين في الغاز المسال، التي يجري تسويتها باليوان، وشملت نحو 65 ألف طن يتم توريدها من الإمارات.

ولم تعلن الإمارات على الفور، ما إذا كانت ستستمر في تسعير جزء من صادراتها من الغاز المسال باليوان في بورصة شنغهاي، أم أن الأمر مجرد جس نبض ردة الفعل الأميركية، التي لم تؤكدها بعد ولم تنفها أيضا.

وتسعير النفط والغاز باليوان في بورصة شنغهاي دعوة سبق أن وجهها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى دول الخليج عندما زار السعودية في ديسمبر الماضي، “للاستفادة الكاملة من البورصة كمنصة لتسوية تجارة النفط والغاز باليوان”.

وحينها لم تعلق الرياض فورا على دعوة جينبينغ، لكن بعد نحو شهر أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان أن بلاده “منفتحة على المناقشات بشأن التجارة عبر استخدام عملات بخلاف الدولار”.

وقوة الدولار مبنية على أساس “معنوي” مرتبط بقوة البلاد العسكرية والاقتصادية ونفوذها السياسي و”ثقة” الدول والشركات والأفراد بمتانة الاقتصاد الأميركي يدفعهم للثقة بالدولار وجعله عملة تحوّط من الأزمات.

وفي اللحظة التي يفقد فيها العالم الثقة بقوة الدولار، ويتجه إلى عملات بديلة، فستلقى العملة الأميركية نفس مصير الجنيه الإسترليني وعملات أخرى هيمنت على التداولات العالمية في فترات زمنية معينة قبل أن يأفل نجمها.

والسيناريو الأسوأ الذي تخشاه واشنطن هو إذا فقد الدولار جاذبيته عالميا ووجدت الاقتصادات الكبرى بدائل لها فسيؤدي ذلك إلى بيع كثيف للسندات الأميركية، من شأنه أن يوصلها إلى مرحلة العجز عن سداد ديونها.

وبلغ الدين الأميركي نهاية العام الماضي 31.4 تريليون دولار، أي ما يعادل 125 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتسبب استمرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) في رفع الفائدة لمواجهة التضخم في هروب رؤوس الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة في آسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية لشراء السندات الأميركية ذات العائد المرتفع.

وأفرز هذا المنحى أضرارا لعملات تلك البلدان واقتصاداتها، وهو ما جعلها تبحث التعامل بالعملات المحلية في مبادلاتها التجارية البينية لتقويتها.

وكان قرار البرازيل، أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، بالتعامل باليوان في تجارتها مع الصين، البالغة نحو 150 مليار دولار سنويا، بمثابة زلزال نقدي في الولايات المتحدة، لأنه يأتي بعد أحداث متسلسلة تصبّ كلها نحو التخلي عن الدولار في التجارة العالمية.

ومن شأن القرار الذي اتخذ الأربعاء الماضي، بعد يوم من تسوية شحنة إماراتية للغاز المسال باليوان، أن يكون بداية نحو إنهاء احتكار الدولار للمعاملات التجارية، وصعود العملة الصينية كأبرز منافس له.

 

ووفق البنك المركزي البرازيلي فإن اليوان بات ثاني أكبر عملة احتياطية لديه بنسبة 5.37 في المئة، متجاوزا اليورو، الذي يشكل 4.74 في المئة.

وبعد عودة الرئيس البرازيلي اليساري لولا دا سيلفا إلى الحكم في 2022 أصبحت بلاده أكثر قربا من شركائها في دول بريكس التي تضم الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا، إذ بات التكتل أكثر حماسة لإنهاء هيمنة الدولار، وقام بإجراءات في هذا الصدد.

وأعلنت روسيا، التي تفرض الدول الغربية عليها عقوبات اقتصادية بسبب حربها في أوكرانيا، على لسان رئيسها فلاديمير بوتين، دعمها “استخدام اليوان في العمليات الحسابية بين روسيا ودول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية”.

وتبدو الخطوة مهمة من أحد عمالقة النفط والغاز في العالم لتسعير تجارته الخارجية باليوان، ما سيسرّع أكثر في صعود العملة الصينية بديلا للدولار الأميركي، أو على الأقل كسر هيمنته على التجارة العالمية كمرحلة أولى.

وبينما دخلت الهند فعليا في سداد جزء من وارداتها الضخمة من النفط الروسي بالدرهم الإماراتي، رغم أن عملة البلد الخليجي مرتبطة بالعملة الأميركية، فإن استقرارها من شأنه أن يحوّلها إلى عملة تداول عالمي ضمن سلة من العملات.

وأحد الخيارات أمام دول بريكس لمواجهة قوة الدولار وتأثير ذلك سلبا على اقتصاداتها، ما أعلنه بوتين الصيف الماضي عن التحضير لإنشاء “عملة احتياطية” دولية تعتمد على سلة من عملات دول بريكس.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد أكد ذلك في يناير الماضي، حول مناقشة دول بريكس مبادرة إنشاء عملة موحدة بين الدول الأعضاء، خلال القمة المقرر عقدها في جنوب أفريقيا، في أغسطس المقبل.

ويتوقع خبراء أن يضغط إنشاء عملة جديدة لبريكس، التي تستحوذ على نحو 23 في المئة من الاقتصاد العالمي متفوقة على الاتحاد الأوروبي بنقطة مئوية، أكثر على الدولار كعملة تداول واحتياط عالمي.

لكن عملة موحدة للتكتل من شأنها أن تصطدم بطموح صيني ليكون اليوان عملة التداول الأولى عالميا، خاصة وأنها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتطمح أن تتجاوز الولايات المتحدة في 2030.

وفي خضم ذلك تبحث دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) هي الأخرى التقليل من الاعتماد على الدولار في المبادلات التجارية وتتجه للتعامل بالعملات المحلية فيما بينها.

واجتمع وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية في آسيان في أواخر مارس الماضي بإندونيسيا، لمناقشة تقليل الاعتماد على الدولار، واليورو، والين الياباني والجنيه الإسترليني في المعاملات المالية، والانتقال إلى التسويات بالعملات المحلية.

ووفق موقع “آسيان بريفينغ” تم التوصل إلى اتفاق بشأن التجارة بالعملات المحلية بين إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفلبين وتايلاند، في نوفمبر الماضي.

وتوجّه آسيان، التي تضم 10 دول من الاقتصادات الناشئة، وتعتبر ثالث أكبر اقتصاد في آسيا، والخامس عالميا بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا، للتعامل بالعملات المحلية في تجارتها يزيد الضغوط على الدولار.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةتسارع زخم الابتكار يعيد رسم مراكز التكنولوجيا الناشئة
المقالة القادمةإنخفاض الدولار: حل موقت ضمن دوامة يدفع ثمنها المواطن