شهد يوم أمس “تساقط” التقارير السلبية على “رأس” لبنان. فبعدما صنفه البنك الدولي ثالثاً من الخلف بعد الصومال واليمن بتراجع الايرادات الحكومية، وبعد فنزويلا والسودان بنسبة التضخم، أتى تقرير “مدركات الفساد” ليزيد الطين بلة. فوفق التقرير السنوي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية حصل لبنان على معدل 24 على 100 في نسبة الفساد العام (صفر فاسد للغاية، و100 نزيه للغاية). واحتل بذلك المرتبة 154 من أصل 180 دولة، منخفضاً 5 درجات عن العام 2020.
الرابط بين تقرير المرصد الاقتصادي للبنان: “الإنكار الكبير”، الصادر عن البنك الدولي، وبين تقرير مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية كبير جداً. فـ”حجم ونطاق الكساد المتعمد الذي يشهده لبنان حالياً”، برأي البنك الدولي، “يؤديان إلى تفكك الركائز الرئيسية لنموذج الاقتصاد السياسي السائد في البلد منذ انتهاء الحرب الأهلية”. الأمر الذي يؤدي إلى إبقاء كل القوانين الاصلاحية التي أقرت في العام الماضي لمكافحة الفساد حبراً على ورق، لأنها ببساطة لا تناسب مصلحة الطبقة السياسية في السيطرة على مقاليد الدولة والاستئثار بمنافعها الاقتصادية.
من هنا لم نشهد خلال العام الماضي أي تأثير إيجابي لقوانين مكافحة الفساد التي أقرها البرلمان خلال الفترة الماضية. ومنها ما ذكرته “الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد”، في إطلاق التقرير السنوي، مثل:
– قانون استعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد.
– تعديل قانون الحق في الوصول إلى المعلومات.
– قانون مكافحة الفساد في القطاع العام.
– إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
– قانون حماية كاشفي الفساد.
– قانون الشراء العام.
المدير التنفيذي في “الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد”، جوليان كورسون اعتبر أن “هناك مجموعة من الأسباب التي تعيق الاستفادة من هذه القوانين. منها ما هو موضوعي ويتعلق بنقص في التدريب والمعلومات والمهارات. ومنها ما هو تقني وبشري. إنما في حال توفر الإرادة فان كل هذه العقبات يمكن تذليلها. وبالتالي فان صلب المشكلة يتعلق بارادة التطبيق”.
عدم ربط نفاذ القوانين الصادرة، بالمراسيم التطبيقية، قد يكون نقطة إيجابية لعدم عرقلتها، ولكن على الرغم من ذلك يعتبر كورسون أن “الكثير منها ما زال يحتاج إلى مرسوم تطبيقي لتحديد آليات التنفيذ وإقرار التفاصيل التي لا تلحظها القوانين. الأمر الذي يصعّب التطبيق أحياناً كثيرة على أرض الواقع. كما أن تنفيذ هذه القوانين يحتاج إلى قضاء قادر ومستقل. ومن هنا كانت مطالبتنا الدائمة باقرار قانون استقلالية القضاء”.
مع صدور مجموعة مهمة من القوانين الاصلاحية في السنوات الأخيرة، ومن بعد تربع مطلب مكافحة الفساد على رأس أولويات المطالب الشعبية بعد 17 تشرين الأول 2019، فان المنطق كان يفترض تحسن موقع لبنان على سلم الفساد وليس تراجعه. و”هذا ما لم يحصل”، برأي كوروسان، “ما يدفعنا إلى تأكيد ما ذكره البنك الدولي لجهة حالة الانكار التي تعيشها السلطة التي لم تعمل على بلورة سياسة جدية وعملية لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية”.