تواجه معظم الاقتصادات الكبرى صعوبة في تجاوز الأزمة الصحية وإعادة المؤشرات إلى ما كانت عليه قبل الوباء على الرغم من تخفيف قيود الإغلاق والأموال الضخمة التي تم تخصيصها لمساعدة القطاعات على النهوض من كبواتها. وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أو.إي.سي.دي) الاثنين إن معظم الاقتصادات الكبرى في العالم مازالت تسجل نموا أقل من مستويات ما قبل جائحة كورونا، وذلك على الرغم من “تسارع” وتيرة النمو خلال الربع الثاني من هذا العام. وأوضحت المنظمة، ومقرها باريس، أن إجمالي الناتج المحلي في دول المنظمة مازال أقل بنسبة 0.7 في المئة مقارنة بنهاية عام 2019، قبل الإعلان عن ظهور فايروس كورونا.
وتأتي هذه الأرقام على الرغم من نمو إجمالي الناتج المحلي لاقتصادات مجموعة السبع بنسبة 1.6 في المئة خلال الربع الثاني من هذا العام، بارتفاع بنسبة 0.4 في المئة مقارنة بالربع الأول. وكشفت مؤشرات النمو في الربع الأول من العام الجاري حجم الخراب الاقتصادي الناجم عن إجراءات الإغلاق للحد من انتشار فايروس كورونا المستجد، حيث سجل الاقتصاد الأوروبي والأميركي والياباني انكماشات حادة.
ويؤكد خبراء المنظمة وجود “تفاوت قوي بين ما تطلق عليه المنظمة الاقتصادات السبعة الكبرى”، حيث سجلت بريطانيا أسرع وتيرة نمو بنسبة 5 في المئة تقريبا من أبريل حتى يونيو الماضيين، عقب انكماش اقتصادها بنسبة اثنين في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري.
وعلى الرغم من توقّع نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي بصورة قوية هذا العام فإن البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يتوقعان أن يكون النمو “غير متساو” حيث ستتراجع اقتصادات الدول الأقل ثروة والتي تعتمد على السياحة.
وكانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد حذرت منذ ثلاثة أسابيع من أن “الغموض المستمر” المتعلق بجائحة كورونا يعني أن الاقتصادات الكبرى قد تسجل على الأقل “نموا متوسطا” خلال الأشهر المقبلة. وتنعكس هذه الوضعية على مجمل نشاط الاقتصاد العالمي كما أن هذه التحذيرات تؤكد أن النتائج العكسية لن تكون على اقتصادات الدول الكبرى بل ستتسرب إلى معظم الدول النامية الأكثر تضررا من الأزمة الصحية. وتكشف تقارير وتحاليل لخبراء أن آمال تعافي الاقتصاد خلال العام الجاري في ظل حملات التلقيح لا تخفي فاتورة الخسائر الباهظة التي سيدفعها الاقتصاد العالمي، وخصوصا بالنسبة إلى الدول النامية بسبب محدودية قدراتها المالية وتشديد القيود على ميزان المدفوعات وعدم كفاية الدعم الدولي لها.
وذكر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) في مارس الماضي أنه حتى لو حدث تعاف أقوى من التوقعات خلال العام الحالي سيخسر الاقتصاد العالمي تريليونات الدولارات من إجمالي الناتج المحلي نتيجة الجائحة وإجراءات الإغلاق. وقال المؤتمر في تقرير أصدره في ذلك الوقت إنه رغم احتمال نموّ الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي بمعدل 4.7 في المئة فإن إجمالي الناتج المحلي سيظل أقل بنحو 10 تريليونات دولار ممّا كان يمكن أن يكون عليه لو لم تحدث الجائحة، وهو ما يعادل نحو ضعف إجمالي الناتج المحلي لليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
وكان الاقتصاد العالمي قد سجل في العام الماضي أكبر انكماش له منذ بدء تسجيل بيانات النشاط الاقتصادي العالمي في أوائل الأربعينات من القرن الماضي. وحذرت أونكتاد من اتساع الهوة بين الدول النامية ونظيرتها المتقدمة؛ ففي حين اتخذت الدول الغنية إجراءات مالية ضخمة لتحفيز اقتصاداتها كما فعلت الولايات المتحدة مؤخرا بإقرار حزمة تحفيز بقيمة 1.9 تريليون دولار، وفي حين عاد الاقتصاد الصيني إلى النمو في أواخر العام الماضي، لا تزال الدول الأقل حجما والأفقر تعاني في مواجهة تداعيات الجائحة. وأشارت إلى أن الدول النامية تتحمل الجزء الأكبر من عبء التراجع الاقتصادي العالمي بسبب محدودية قدراتها المالية وتشديد القيود على ميزان المدفوعات وعدم كفاية الدعم الدولي لها ما أدى إلى أحد أكبر التراجعات في الدخل الفردي بالنسبة إلى إجمالي الناتج المحلي.