منذ ما قبل الإنطلاق في مناقشة مشروع الموازنة العامة على طاولة مجلس الوزراء، بدأ الحديث في لبنان عن سيناريوهات متعددة، نظراً إلى أنها تتضمن حزمة واسعة من الإجراءات لكبح انفلات الإنفاق، أبرزها التحذير من إحتمال تكرار النموذج اليوناني، وهو الأمر الذي ورد على لسان رئيس الحكومة سعد الحريري سابقاً، لكن في المقلب الآخر لدى بعض الأوساط المعنية تأكيد بأن هذا الإحتمال غير وارد لعدة أسباب.
من حيث المبدأ، هناك الكثير من أوجه الشبه بين لبنان واليونان، خصوصاً على مستوى إدارة الشأن العام وغياب الشفافيّة والفساد، لكن الحديث عن سيناريو يوناني للبنان هو خارج إطار الواقع الاقتصادي والمالي الفعلي، بحسب ما تؤكد الأوساط نفسها عبر “النشرة”، حيث تشير إلى نقطة مركزية تتعلق بأن هيكليّة الدين في لبنان مختلفة عما هي عليه في اليونان، نظراً إلى أن أغلب الدين اللبناني داخلي.
إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه الأوساط أن الدين العام تحت السيطرة كون غالبية مصادر تمويله داخلية، أي من المصارف التجارية ومصرف لبنان بنسبة 83 % للدين بالليرة اللبنانية وبنسبة تفوق 75 % للدين بالدولار، إضافة الى كون الاستحقاقات بالعملات الأجنبية لا تمثل ضغوطاً على الدولة، والتي تصل قيمتها الى حوالى 2.3 ملياري دولار سنوياً.
من وجهة نظر الأوساط نفسها، الحديث عن إنهيار إقتصادي في غير مكانه، لا سيما أن لبنان مر بظروف أصعب من الحالية، لكن هذا لا يلغي أن الوضع صعب ويحتاج إلى حلول جذرية، وتؤكد أن هناك إمكانية كبيرة لتجاوز الوضع الراهن، خصوصاً إذا ما توفرت الإرادة الحقيقيّة لذلك، وتضيف: “هناك مصلحة مشتركة لدى جميع الأفرقاء المحليين في تجاوز الأزمة الراهنة، التي كان يدركها الجميع منذ ما قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة”.
بالنسبة إلى هذه الأوساط، الخطر الأكبر يكمن في موجة الشائعات التي تجتاح الساحة المحليّة، لا سيما أن لبنان يعيش في جو غير طبيعي منذ سنوات، في ظلّ الأزمات التي تجتاح المنطقة خصوصاً في سوريا، بالإضافة إلى الحرب الإقتصاديّة التي تخوضها الولايات المتّحدة، والتي تستهدف أيضاً أحد المكونات اللبنانيّة الأساسيّة، أيّ “حزب الله”.
في هذا الإطار، توضح الأوساط المعنية أنّ سقوط أو إنهيار لبنان غير ممكن من الناحية العمليّة، في ظل الدعم الذي يحظى به من قبل العديد من الجهات الإقليميّة والدوليّة، وتشير إلى أن حجم الدعم الذي حظي به في مؤتمر “سيدر” دليل على ذلك، وتؤكد بأنّ هذا الواقع ينبع من مصالح تلك الجهات بالحفاظ على الإستقرار المحلّي، نظراً إلى الأهميّة التي يشكلها على أكثر من صعيد.
وتلفت هذه الأوساط إلى أن ليس هناك من مصلحة أوروبيّة، بشكل أساسي، في هذا الإنهيار في ظلّ تواجد الأعداد الضخمة من النازحين السوريين، لأنّ لبنان سيتحول حينها إلى نقطة إنطلاق للهجرة غير الشرعيّة بإتجاه القارة العجوز، كما أنّه لن يكون في صالح حلفاء تلك الجهّات المحليين، إلا أنّ هذا، بحسب ما تؤكد، لا يلغي وجود مسؤوليّة لبنانيّة في القيام بالعديد من الخطوات التي باتت ضرورية.
في المحصّلة، تشدّد الأوساط نفسها على وجود أزمة إقتصاديّة لا أحد يستطيع إنكارها، لكنها تشير إلى أنّ الحلول موجودة بعيداً عن لغة التهويل التي يلجأ إليها البعض، بالإضافة إلى إبعاد المعالجة عن لعبة تسجيل النقاط السياسيّة بين مختلف الأفرقاء، مع العلم أن الأرقام تؤكد أن الوضع في العام 2002 كان أسوء من الحالي.