أمعنت مصر في منح المزيد من الحوافز للمستثمرين الأجانب لتشجيعهم على ضخ استثمارات جديدة، وأصدرت لأول مرة قرارات لحل مشكلات الإقامة لهم، ومنحتهم تصريحات إقامة في البلاد لمدة خمس سنوات تجدد تلقائيا مدة حياة المشروع.
تواصل القاهرة حفز همم المستثمرين، وتهيئة مناخ الاستثمار عبر قرارات تشجع على الإقامة من دون معوقات، وتبتعد عن بيروقراطية تجديد الإقامة من جانب السلطات المحلية.
وأصدرت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة أخيرا ضوابط تسمح للمستثمرين الأجانب بالإقامة لنحو خمس سنوات متصلة قابلة للتجديد، بدلا من عمليات التجديد التي كانت تتم سنويا، وفي بعض الأحوال بشكل ربع سنوي.
ووفقا للضوابط الجديدة يحق للمستثمر الجاد البقاء في مصر طوال فترة حياة المشروع، وتعتمد الضوابط على نظام النقاط، وكلما حقق المستثمر شرطا من تلك الضوابط تضاف هذه النقاط إلى رصيده، وتعزز من استمرار إقامته.
يضع نظام النقاط وزنا نسبيا لكل بند من بنود عمليات التأسيس، ويصل الوزن النسبي لغرض الشركة نحو 20 في المئة، فيما يصل الوزن النسبي لرأس المال المدفوع نحو 30 في المئة، وعدد العمالة 30 في المئة، أما بالنسبة إلى موقع وممارسة النشاط فيصل وزنه النسبي نحو 20 في المئة.
تمنح القاهرة أولويات للأنشطة الاستثمارية للتمتع بهذه الحوافز، وتتصدرها قطاعات الطاقة المتجددة، والصناعات الثقيلة، والتعليم قبل الجامعي، والرعاية الصحية، والبترول، وتحلية المياه.
وسمحت الحكومة قبل عام بمنح الجنسية للمستثمرين الأجانب مقابل ضخ استثمارات جديدة في مصر، إلا أن هذه الخطوة لم تحفز همم المستثمرين بالقدر الكافي، خاصة الاستثمارات التي تحمل جنسية مقاصد مصدرة للاستثمارات، مثل الاستثمارات الأميركية والبريطانية والخليجية.
وخصصت الهيئة العامة للاستثمار إدارة لمنح الجنسية للمستثمرين، إلا أن الإقبال عليها لا يزال ضعيفا، الأمر الذي حدا بالهيئة للتوسع في منح حوافز جديدة للإقامة.
وتنص تشريعات تجنيس المستثمرين الأجانب، على منح الجنسية المصرية لكل أجنبي امتلك عقارا بقيمة 500 ألف دولار على الأقل، أو استثمر ما لا يقل عن 400 ألف دولار بحصة ملكية لا تقل عن 40 في المئة من رأسمال المشروع، أو إيداع مبلغ نقدي يبدأ من 250 ألف دولار من الخارج كوديعة في خزينة الدولة، أو إيداع 750 ألف دولار دون الحصول على فوائد بأحد البنوك لمدة خمسة أعوام، أو مليون دولار دون فوائد تسترد بعد ثلاثة أعوام.
قال جمال بيومي، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، إن قرار منح الإقامة للمستثمرين الأجانب يوفر الوقت والمجهود على المستثمر، ويؤدي إلى تشجيع ضخ استثمارات بالسوق المحلية.
وأضاف لـ “العرب”، أن هذا الإجراء لا بد أن تتبعه تسهيلات أخرى، أهمها آلية واضحة لمنح الأراضي للمستثمرين الأجانب، بتخفيضات في الأسعار أو بنظام المزايدة، الذي يضمن السعر العادل وفق آليات السوق.
يعاني المستثمرون من نقص الأراضي المخصصة للاستثمار الصناعي، الأمر الذي يعد معوّقا لتدفق الاستثمارات الأجنبية في البلاد.
وتستعد الحكومة المصرية لطرح مجمعات صناعية، ضمن مبادرة أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لتشغيل الشباب، وإقامة نحو 13 مجمعا صناعيا؛ من أجل توفير ما يقرب من 4307 وحدات صناعية بمحافظات الجمهورية.
وتستهدف الحكومة من تلك الخطوة إتاحة الأراضي الصناعية لهذه الفئات غير القادرة على شراء الأراضي الصناعية بمفردها، فضلا عن أن هذه التجمعات تعزز فرص التشغيل بشكل سريع، جنبا إلى جنب مع الاستثمارات الأجنبية.
وتعد هذه التجمعات اللبنة الأساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث تعد من الصناعات المغذية للمشروعات الكبيرة، وتقوم بتصنيع الأجزاء الصغيرة التي تستخدمها المصانع المتوسطة والكبيرة.
أكد هاني توفيق، رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر السابق، أن منح المستثمرين الأجانب إقامة في مصر لمدة خمس سنوات يعزز من تدفق الاستثمارات الأجنبية للبلاد.
ويتفق في أن أهم مقومات تنشيط أجندة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر، توفير الأراضي الصناعية الجاهزة بمرافقها وبشروط ميسرة.
وأشار لـ”العرب”، إلى أن جذب الاستثمار الأجنبي المباشر يتطلب مع منح الإقامة نسف البيروقراطية والفساد والعثرات التي تحاصر المستثمر الجاد، وتوفير منظومة قضائية ناجزة لضمان سرعة حل المنازعات الاستثمارية، حال نشوب خلافات.
وأظهر تقرير مناخ الأعمال الذي يصدره البنك الدولي مؤشرات متأخرة للقاهرة في عمليات إنفاذ العقود، وجاءت مصر في المركز 160 ضمن القائمة التي تضم 190 دولة، وهو ترتيب يحتاج إلى إصلاح سريع، لأنه كفيل وحده ليدير المستثمر الأجنبي ظهره للقاهرة.
وزاد الأزمة شدّة مؤشر جودة الإجراءات القضائية، حيث منح التقرير مصر درجة 5.5 من إجمالي 18 درجة، إلى جانب طول عدد أيام التقاضي وإنفاذ العقود وفق التقرير لتصل إلى نحو 1010 أيام.
ولفت توفيق، إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر يتطلب سياسة سعر صرف مرنة تجعل إنتاج مصر محتفظا بقدرته التنافسية، فلا ينبغي تثبيت سعر الدولار رغم التضخم، لافتعال جنيه مصري قوي، ما يترتب عليه دعم كل منتجي العالم على حساب الاقتصاد المصري.
وذكر أن أفضل المناطق جذبا للاستثمار في مصر حاليا هي المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث تتسم بالتخطيط الجيد والمرونة في اتخاذ القرارات وسرعة حل المشكلات، والتوسع في منح حوافز حقيقية للمستثمرين.
وتعزز المنظومة الضريبية العادلة والمستقرة من تدفق الاستثمارات الأجنبية، فلا ينبغي أن تكون الدولة شريكة بنسبة تقارب 50 في المئة من أرباح المشروع، مع تعاظم دور القطاع غير الرسمي الذي لا يتحمل أية أعباء ضريبية.
ويتسبب تضخم هذا القطاع في دخول الاستثمارات الأجنبية والمصرية الرسمية في منافسة غير متكافئة تنال من اقتصاديات عمليات الإنتاج وتسعير المنتجات، بما يؤدي إلى خلل آليات العرض والطلب بسبب تشوه منظومة المنافسة الحرة.
وتجاهد الحكومة عبر حزم الحوافز للمستثمرين لإنقاذ معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي سلكت طريقها للتراجع.
وكشف ميزان المدفوعات المصري عن تراجع هذه المعدلات بنحو 9 في المئة خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2019-2020، حيث بلغت نحو 5.9 مليار دولار، مقارنة بنحو 6.5 مليار دولار من عام المقارنة السابق.