135 هو رقم فروع المصارف التجارية اللبنانية التي أقفلت بين مطلع 2019 ونهاية آب 2021. الدراسة قامت بها «الدولية للمعلومات»، وأظهرت انخفاض أعداد الفروع من 1080 إلى 945 فرعاً، في الفترة نفسها، أي تقليص بنسبة 12%. ترافق ذلك مع صرف 3800 موظف لينخفض عدد العاملين في القطاع إلى 21 ألفاً و86 موظفاً. يعتبر الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين أنّ وتيرة إقفال الفروع وصرف الموظفين «ازدادت في الأشهر الثلاثة الأخيرة، لكن لا يمكن تحديد نسبة هذه الوتيرة قبل تحديث رسمي للأرقام». كلام شمس الدين يتقاطع مع الأخبار عن تشدّد المصارف في شروط العمل على الموظفين المستهدفين لدفعهم إلى الاستقالة.
يؤكد رئيس نقابة موظفي المصارف، أسد الخوري، أنّ عدد الذين خرجوا من القطاع «منذ بداية الأزمة يبلغ قرابة الـ4500 شخص». وقد سُجّلت حالات لصرف الزوجين معاً، لتكون المصارف بذلك قد قطعت مدخولاً كاملاً لعائلات. أربعة مصارف فقط تواصلت مع وزارة العمل حول نيتها الاستغناء عن عددٍ من الكوادر: البنك اللبناني للتجارة، الاعتماد المصرفي، بيروت والبلاد العربية، مصر ولبنان. الأخير توصّل إلى تسوية مع الموظفين بعدما كان يرفض إعطاءهم ما ينصّ عليه «البروتوكول» المقترح من اتحاد نقابات موظفي المصارف لتحديد حقوق الصرف.
عمليات الصرف ارتفعت أخيراً لدى المصارف الأكبر في السوق مثل الاعتماد اللبناني، وسوسييتيه جنرال، وقد سبقهما إلى ذلك بنك عودة وبنك ميد وبيبلوس وبلوم… يشير الخوري إلى أن هذه المصارف «قامت بهندسات على طريقتها، فلم يعترض لدى النقابة إلا قرابة الـ10 موظفين منها». لكن الواقع أن موظفي المصارف يعيشون خيبة أمل وخذلاناً من النقابات التي لم تتمكن من حمايتهم من الصرف وفرض بروتوكول واضح وموحّد على جميع المصارف لعمليات الصرف المنظّمة، بل انبرت إلى الدفاع عن المصارف في بيانات علنية اعتقاداً منها، أنها بذلك تحمي الموظفين.
في هذا السياق، النزاعات الأكبر بين إدارات المصارف وموظفيها تدور حالياً في ثلاثة مصارف؛ «حبيب بنك»، الذي يُريد الخروج من السوق اللبنانية، رافضاً دفع 400 مليون ليرة عالقة للموظفين بذمّته. وصلت القضية إلى وزير العمل مصطفى بيرم الذي حدّد مهلة أخيرة للمصرف إما بدفع حقوق الموظفين، أو اتخاذ إجراءات بحقّه. موظفو «بيت التمويل العربي» يشكون إدارتهم أمام وزارة العمل، فحاول مسؤولو المصرف «تفريقهم والاستفراد بهم فرادى»، يقول الخوري. أما المصرف الثالث فهو «بنك الاستثمار»، الذي يمارس ضغوطاً مماثلة حتى لا يلجأ الموظفون إلى النقابة.
هذه المقاربات المختلفة لحقوق العاملين سببها نجاح إدارات المصارف في تشتيت قوّة الموظفين عبر إقناع أفراد بالتوقيع على اتفاقات الاستقالة قبل التوصّل إلى اتفاق جماعي. أما الموظفون فيُلقون بالمسؤولية على عدم فعالية اتحاد نقابات موظفي المصارف في فرض «البروتوكول» الخاص الذي يُفترض به أن يضمن الحقوق، وغرقه في مفاوضات تأتي لصالح إدارات المصارف على حساب العمال.
أسلوب مقاربة كلّ المصارف لملفّ العاملين فيها، والتعامل معهم كـ«أكلاف تشغيلية» وليس كـ«استثمار» للنموّ وتطوير الاقتصاد، مؤشّر حقيقي للواقع المصرفي المأساوي. تُثبّت المصارف أنّها مؤسسات مُفلسة، غير مؤهلة للعب دورها في الاقتصاد، حتى ولو بقيت تتحايل وتتأخر في إشهار ذلك.
كما أنّ المصارف تقدّمت إلى «هيئة الأسواق المالية» لإلغاء تراخيص الموظفين الذين كانوا يتابعون ملفات تتصّل بالأسواق المالية. تحوّلت المصارف إلى مُجرّد «كونتوار»، عاجزة حتى على أن تُسلّم أصحاب الرواتب الموطّنة كامل قيمة رواتبهم الشهرية. دمج وحدات وتقليص أعداد الموظفين المُكلفين بكلّ ما له بخدمات الإقراض، يعني – مرّة جديدة – توقّف المصارف عن القيام بـ«وظيفتها». يقول أحد العاملين في القطاع المالي، «لا بل أكثر من ذلك، هو إعلان عن عدم امتلاك المصارف للسيولة اللازمة لإعطاء القروض، وتشجيع النموّ في المجتمع، لا سيما أنه لم يتمكن سوى عدد قليل من المصارف من الالتزام بتعميم مصرف لبنان لجمع 3% من مجموع الودائع بالدولار الأميركي في حساب خارجي لدى المصارف المراسلة. جُلّ عملها مُنصّب حالياً على تحصيل الديون المتعثرة». يقول أسد خوري، «هذه المصارف إذا كانت لا تقبل بدفع ما نطلبه لقاء صرف الموظفين، فهذا يعني أنّها مصارف لا تملك مقومات الحياة».