النفط الإيراني… شريان للحياة

«بكرا بيتعوّدوا»، العبارة المنسوبة إلى رياض سلامة تعليقاً على تعامل اللبنانيين مع انهيار قيمة الليرة، باتت دستور أكثرية قوى السلطة. منذ سنتين، عاش لبنان ثلاث صدمات اقتصادية كبرى، يجري التعامل معها كما لو أنها لم تكن: صدمة إفلاس القطاع المصرفي المكابر على إعلان إفلاسه وانهيار الليرة، وصدمة رفع الدعم، وصدمة انقطاع الطاقة الكهربائية والمحروقات معاً.

كل واحدة من هذه الصدمات كفيلة، وحدها، بهدم اقتصاد ولو كان قوياً، وبتدمير قدرات السكان المعيشية. الانهيار لا يُمكن أن يستمر، ولو في أفشل دول العالم، من دون خطة إنقاذ، لوقف الانهيار وعكس المسار نحو العودة إلى «الحياة الطبيعية». رفع الدعم لا يمكن أن يتم، ولو في أكثر الرأسماليات توحشاً، من دون شبكة أمان اجتماعي. حتى البنك وصندوق النقد الدوليّان، وسواهما من مؤسسات نظام سيادة رأس المال في العالم، يوصيان بأن يكون قرار إلغاء الدعم عن السلع الأساسية متزامناً مع برامج حماية اجتماعية، للطبقات الأكثر ضعفاً. وأكثر ما ينبغي الامتناع عنه، هو رفع الدعم فجأة عن الغذاء والدواء والاستشفاء والمحروقات والطاقة. صدمات متتالية أصابت سكان لبنان، مترافقة مع جائحة كورونا العالمية، وانفجار المرفأ، وأزمة سياسية مستمرة منذ ما قبل انسحاب الجيش السوري أنتجت عدم انتظام في المؤسسات الدستورية (فراغ حكومي، فراغ رئاسي وتمديد نيابي…) استهلك أكثر من نصف الأعوام الـ 16 الماضية.

ما جرى كان تأثيره كارثياً. لم يسبق أن اتخذت دولة، عن وعي كامل، قراراً بتدمير اقتصادها بالصورة التي فعلتها السلطة اللبنانية. ما يشهده لبنان حالياً من انقطاع للطاقة الكهربائية والمحروقات لا يمكن أن تشهده أي دولة من دون حرب مدمّرة. فالطاقة هي العمود الفقري للحياة في القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد. ونتائج وقف إنتاج الكهرباء وقطع المحروقات لا تعيد سكان لبنان إلى المستوى الذي كانوا يعيشون فيه بعد الحرب الأهلية مباشرة، بل تُرجعهم إلى زمن ما قبل إنشاء سكة الحديد وإقامة أول معامل إنتاج الكهرباء زمن السلطة العثمانية.

مجلس النواب، بوصفه المؤسسة الدستورية الأمّ، كان ينبغي أن يكون الحصن الأخير دفاعاً عن حقوق أبناء «الأمة» ومصالحهم. كان يُنتظر منه إصدار قوانين تُجبر مصرف لبنان على استمرار الدعم إلى حين إقامة شبكة أمان اجتماعي، وعلى ضمان استمرار إنتاج الكهرباء بالطاقة القصوى، وعلى تمويل إقامة معامل إنتاج جديدة تكفي لتغطية كامل حاجة البلاد. كان يُنتظر منه أن يكون على قدر المسؤولية، لإخراج البلاد من صدمة الانهيار.
جلسة مجلس النواب، أمس، يمكن اعتبارها خاتمة الاستقالة من بذل أيّ جُهد إنقاذي. هذا الواقع الداخلي، متشابكاً مع الحصار الخارجي، لا يواجَه بقرارات تقليدية. البلاد تعيش حالة انهيار تام يُعبَّر عنها بانقطاع التيار الكهربائي، وفقدان المحروقات. موازين القوى في المؤسسات الدستورية موزعة بين شريك لدول الحصار (سياسياً ومالياً)، ومستقيل من مسؤوليته وعاجز عن التغيير من الداخل ومشتغل بالنكاية. والواقع أشبه ما يكون بحالة حرب غير معلنة. وإزاءه، لا بد من حلول غير تقليدية، على رأسها تأمين مصادر الطاقة، في وجه الاحتكار والحصار، والتفافاً على العجز التام للمؤسسات. إجراءات طوارئ هدفها إنعاش المريض والحؤول دون وفاته. هنا تحديداً تكمن أهمية استيراد النفط من إيران.

مصدرجريدة الأخبار - حسن عليق
المادة السابقةقيود استيراد المحروقات تُقيد سلاسل الإنتاج والتخزين الغذائي في لبنان
المقالة القادمةعوائق تقنية أمام الغاز المصري والكهرباء الأردنية: الفيول العراقي أول الحلول؟