وجّه الدكتور أنطوان منسى، رئيس المجلس الإقتصادي العالمي في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم
رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين الفرنسيين، الرسالة التالية: طالعتنا بعض وسائل الإعلام في لبنان بتحاليل تسمّى بالاقتصادية، تبشّر بقرب انهيار الاقتصاد اللبناني والمالية العامة في لبنان. وتُحمّل هذه الآراء السياسة النقدية لمصرف لبنان الاختلالات في المالية العامة وارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي. واعتبرت هذه التحاليل أن حلّ هذه المعضلة يكمن بهبوط سعر صرف الليرة اللبنانية إلى ثلاثة آلاف ليرة للدولار الأميركي، مما يقلّص حجم الدين العام بالليرة اللبنانية. كما أن آراء أخرى اعتبرت أن ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية لا يمكن أن يستمر، وأن سعر الصرف سيتراجع إلى ثلاثة آلاف ليرة للدولار الأميركي. وجاءت هذه الآراء دون أن تكون مبرّرة أو مدعومة بأرقام أو بمعطيات ذات مصداقية.
ولكن، هكذا تصاريح لها تداعيات عميقة على ثقة المودعين اللبنانيين، وبالتحديد على ثقة المغترب اللبناني. ونحن كأحد المنظمات الاغترابية الناشطة في الانتشار حول العالم، نعتبر هذا التهويل الإعلامي غير مبرَّر على الإطلاق، إذ أن المغترب اللبناني له كل الثقة بثبات سعر صرف الليرة اللبنانية، وبالسياسات النقدية التي يتبعها مصرف لبنان، والتي أثبتت جدواها في أحلك المراحل التي مرّ بها لبنان والتي حافظت على الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي والاجتماعي. أيضاً، نرى أن ما يسمّى بكلفة ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية هو أقل بكثير من الكلفة الباهظة التي كان قد تكبّدها الاقتصاد والمجتمع اللبناني لو كان سعر صرف الليرة متروكاً في مهبّ الريح.
وأحد الأدلّة الدامغة على ثقة المغترب اللبناني بالسياسة النقدية لمصرف لبنان هو إيداع المغترب اللبناني ما يقارب الـ68 مليار دولار في المصارف التجارية اللبنانية، أي ما يوازي 40% من إجمالي الودائع في القطاع المصرفي، وعدم سحب هذه الودائع عند حدوث أزمات سياسية أو أمنية. وآخر مثل على هذه الثقة هو الأزمة التي سببتها الاستقالة المفاجئة لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في تشرين الثاني الماضي، إذ أن المودعين سحبوا ما يوازي 1,5% فقط من هذه الودائع خلال تشرين الثاني، ولكن ما لبثوا أن أعادوا هذه الأموال إلى المصارف بعد انفراج الأزمة.
وكان مجدياً أكثر بكثير لو أن هذه الأصوات السلبية تستخدم طاقاتها لحثّ المسؤولين في السلطة التنفيذية على مواكبة السياسة النقدية من خلال تطبيق الإصلاحات البنيوية التي من شأنها أن تطوّر بيئة الأعمال وتحسّن المناخ الاستثماري وترفع من مستوى تنافسية الاقتصاد اللبناني، وتخفّض الأعباء التشغيلية عن كاهل مؤسسات وشركات القطاع الخاص، وتوقف تضخّم القطاع العام الذي أصبح عبئاً على الاقتصاد والمواطن، وتحرّر القطاعات التي تحتكرها وتديرها الدولة، وترفع من شفافية المالية العامة، إذ أن هكذا تدابير من شأنها أن تخفف الضغط على الجهاز المصرفي لاستقطاب الودائع، وتحفّز النمو، وتبعث بإشارات إيجابية إلى الأسواق المالية العربية والعالمية، وبالتالي، تشجّع المغترب اللبناني على العودة للاستثمار في بلده الأم. فبغياب هكذا تدابير وإصلاحات، تبقى سياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية العامل الوحيد للثقة في الاقتصاد اللبناني.