ملف النفايات… مثله مثل اي ملف آخر يمكن ان يدرّ الاموال على الدولة التي تعاني من عجز مالي كبير وديون بالملايين، حيث وبسبب المصالح الفئوية والحزبية والشخصية، ترجم كل خطة للحل وتساق اليها جميع انواع التهم… وكل ذلك من اجل تذكية حل ترقيعي يخدم مصلحة او جيبة هذا الفريق او ذاك، وجلّ ما يستطيع حلّه هو نقل النفايات المتراكمة في الشوارع الى مكان ما قد يسمى مطمر او مكب… الا ان المشترك الوحيد هو انه يفتقر الى ادنى الشروط البيئية والصحية.
صحيح ان العديد من الملفات في لبنان عالقة منذ سنوات، ولا تجد طريقها الى الحل بسبب المحاصصات التي اعتاد عليها اللبناني، لكن لملف النفايات اهمية خاصة لانه يطال بتداعياته صحة الانسان نتيجة ما يخلّفه من تلوث… اضف الى ذلك ان التغنّي بالطبيعة اللبنانية اصبح في “خبر كان”.
وفي موازاة ذلك، فان الارقام التي صُرفت منذ “الانفجار الكبير” للأزمة في تموز 2017، وحتى اليوم بحدّ ذاتها تشكّل فضيحة، في حين ان النفايات مكانها تراوح، وها هو وزير البيئة فادي جريصاتي، يعلن اليوم في حديث الى جريدة “الشرق الاوسط” ان “حل أزمة النفايات لن ينتهي هذا الصيف”، مشيرا الى ان السياسة أفشلت خطط الحل.
وفي وقت اعلنت فيه “هيومن رايتس ووتش” الثلاثاء الماضي إن مطمر برج حمود، أحد المطمرين الأساسيين اللذين يستقبلان نفايات بيروت، ولبنان، سيصل إلى سعته القصوى مع نهاية تموز الجاري. (وكانت الحكومة قد قدّرت في الأصل أن المطمر سيبقى قيد العمل حتى 2020).
تعود الى اذهان اللبنانيين مناقصة النفايات الصلبة التي اعدهّا الوزير الاسبق محمد المنشوق في 24 آب 2015، واسقطت بـ”الضربة القاضية” على طاولة مجلس الوزراء بعد يومين، بحجّة ان الاسعار مرتفعة كما ان وزراء في حكومة الرئيس تمام سلام اشتموا “رائحة المحاصصات”، وفي تلك الجلسة التي عقدت في 26 آب انسحب وزراء “التيّار الوطني الحر” و”حزب الله” و”الطاشناق” فيما غاب وزير “تيار المردة” روني عريجي لوجوده وقتذاك خارج البلاد، وذلك اعتراضاً على مسرحية تجرى لحل مشكلة النفايات؟”…
وبغض النظر عما حصل في تلك الجلسة وعن الاسعار التي عرضها المشنوق الذي تحول الى كبش محرقة انقضَّ عليه حتى مَن هم معه في نفس الفريق السياسي، فلو حصل التفاوض على خفض الارقام، وتم بالبدء بالتنفيذ ألم نكن اليوم اقله امام معالجة لجزء من ملف النفايات؟!
وبالارقام: بلغت تكلفة توسعة مطمري برج حمود والكوستابرافا 150 مليون دولار اضافة الى 50 مليون تعويضات لبلديتي برج حمود والغبيري، اي 200 مليون دولار، وحوالي 40 مليون دولار لمطمر طرابلس، هذا من دون حساب التكلفة الاولى لانشاء المطامر، وها هي الازمة على ابواب الانفجار مجددا.
“6و6 مكررة” ايضا حاضرة
وتعليقا على هذا الواقع قال مصدر متابع للملف، انه وبكل اسف موضوع النفايات يعود الى الوراء، مؤكدا ان المشكلة ليست في التقنيات، حيث هناك العديد من الحلول المنفّذة عالميا، والتي يمكن للبنان اعتمادها، بل ان المشكلة الحقيقية في الاختلافات السياسية، قائلا: بات واضحا ان هناك مسؤولين ورؤساء احزاب يستفيدون من “النفايات”، وليس من مصلحة هؤلاء ان نصل الى حل مستدام. واضاف: لا بل اذا قرر هؤلاء تحقيق الوفر على الدولة اللبنانية فإنهم سيخسرون مباشرة.
واعتبر المصدر انه الى جانب هذا الواقع، فانه الى جانب الاستفادات الشخصية، فان قاعدة “6و6 مكررة” ايضا تطبّق على ملف النفايات، فلا يمكن اقامة مطمر او محرقة في منطقة ابنائها من طائفة معينة، دون ان يكون هناك مطمر او محرقة مماثلة في منطقة من انتماء آخر، فعلى سبيل المثال حين تم البحث بإقامة محرقتين: في الزهراني وفي دير عمار.
بالنسبة الى دير عمار، وافقت القيادات السياسة المعنية، (الرئيس سعد الحريري، الرئيس نجيب ميقاتي، الوزير السابق محمد الصفدي)، لكن توقّف العمل ولم تسلك المحرقة طريقها الى التنفيذ بسبب اعتراض الرئيس نبيه بري على اقامة محرقة مماثلة في الزهراني.
… ودور معطل للبلديات
وتابع المصدر الى جانب هذا المشهد السياسي، للبلديات كلمة الفصل ايضا، في حين اقترح الوزير اكرم شهيب (الذي ترأس في تشرين الاول 2015 لجنة لمتابعة الملف) طمر النفايات في السلسلة الشرقية كونها منطقة قاحلة وبعيدة عن الناس، تبين ان اي خطوة في هذا السياق تحتاج الى موافقات من رؤساء بلديات، حيث بدا ان مصير الدولة في ملف النفايات يرتبط بموافقة او رفض من قبل رئيس البلدية.
وردا على سؤال، اشار المصدر الى انه اذا استمرت البازارات و”الدفع” لهذه الجهة او تلك من اجل العرقلة، فاننا لن نتقدّم خطوة في هذا الملف، داعيا مجلس الوزراء الى الخروج بخطة وفرض تنفيذها على الجميع “دون جدل”، سائلا: كيف يمكن ان نبقى تحت رحمة الف مكب عشوائي اضافة الى حرق النفايات هنا او هناك دون رقيب او حسيب، مضيفا: هل سأل احدهم عن تكلفة كل ذلك على المستوى البيئي والصحي والاقتصادي والسياحي…. معتبرا ان كل ما يحصل هو البحث عن الاستفادة الشخصية وليس استفادة شعب بأكمله.
وتابع المصدر: لا داعي للبحث كثيرا، بل فتشوا عن الاموال، فاذا حصلت معالجة جدية وفعلية لمرة واحدة فقط، فان زعماء معروفين سيخسرون، آسفا الى انه لا توجد نظرة للمشاريع الانمائية والعمرانية الا من زاوية المصالح الخاصة، وان لم يجد هذا الفريق السياسي او ذاك مصلحة له فانه سيجد الف حجّة من اجل الاعتراض، واسقاط اي خطة.
التقنيات
وفي سياق متصل، تحدث المصدر عن التقنيات التي يمكن اعتمادها، منها:
– في حال كانت المواد غير مفرزة من المصدر، فان المواد العضوية فيها تكون غير صالحة لتحويلها الى compost (سماد) ، وبالتالي يفترض ان تحال الى الطمر، على ان تعالج المواد العضوية على طريقة bio mass اي حرق الدهون والشحوم فيها عبر التجفيف ثم الحرق من اجل الاستفادة منها لتوليد الطاقة. في هذه الحالة ايضا يمكن اللجوء الى تقنية Biodrying التي تجفّف المواد.
– اما خطة وزارة البيئة الحالية، فانها تعتمد على الفرز من المصدر، الامر الذي يسهّل تحويل المواد العضوية الى compost، وما تبقى ينقل الى المحارق حيث تخفّض الرطوبة فيها الى 15% ، عندها تصبح القيمة الحرارية عالية الامر الذي يساهم في توليد الطاقة.
واعتبر ان الفرز من المصدر امر سهل، ومعتمد في معظم الدول الاوروبية، كما ان الكلام عن رقابة المحرقة، سهل ايضا ويكمن من خلال تفعيل وزارة البيئة ومنحها الامكانات المالية واللوجستية، مستطردا الى القول ان دعم البيئة لا يتم من خلال خفض موازنة وزارة البيئة بل يجب الاقتطاع من الوزارات الاخرى من اجل تعزيز هذه الوزارة. فاذا كان لدى الحكومة نية فان البيئة يجب ان تكون وحدها هي الاولوية.
على جريصاتي فضح ما يجري
وردا، على سؤال، قال المصدر: الاموال التي صرفت منذ اربع سنوات وحتى اليوم، كان يمكن ان تسمح بإقامة محرقتين من الباب الاول تصل سعة كل واحدة الى نحو الف طن يوميا.
وهنا، دعا المصدر الوزير جريصاتي الى فضح ما يجري، كي لا يتكرر معه ما حصل سابقا مع المشنوق حين ألغيت المناقصة التي اعدّها والتي كانت شفافة وواضحة .
وحذّر المصدر من الوصول الى وقت تغذوا فيه مجددا النفايات الطرقات، فلا يكون الحل الا بتوسيع المطامر الحالية مجددا دون البحث عن حل جذري!