أَصدَر مصرف لبنان تقريره السنوي للعام 2018 يعطي من خلاله لمحةً عن الأوضاع الماكروإقتصاديّة العامّة في لبنان قَبل أن يتعمّق في التدابير التي إتّخذها البنك المركزي لتحقيق أهداف سياسته النقديّة. في التفاصيل، سَلَّطَ التقرير الضوء على الضغوطات المختلفة التي يتعرّض لها لبنان منذ فترة، وبالأخصّ تأثيرات الأزمة السوريّة، والتي أدّت إلى تدفُّق أكثر من مليون ونصف لاجئٍ إلى الأراضي اللبنانيّة، بالإضافة إلى ما يزيد عن 500 ألف لاجئ من الدول العربيّة الأخرى والمتواجدين في البلاد. في هذا الإطار، سَجَّلَت المؤشّرات الإقتصادية الرئيسيّة في لبنان تراجعاً مستمرّاً منذ العام 2011، أبرزها تلك المتعلّقة بالتجارة الخارجيّة، والسياحة، والإستثمار، والإستهلاك. بالتوازي، لَفَتَ التقرير إلى ضُعْف الماليّة العامّة في البلاد بحيث بَلَغَ العجز الإجمالي للموازنة 6.2 مليار د.أ. (أي ما يشكِّل 11.1% من الناتج المحلّي الإجمالي) خلال العام 2018، كما ووَصَلَ مستوى الدين العامّ إلى 85.1 مليار د.أ. (أي حوالي 150% من الناتج المحلّي الإجمالي). وأضاف التقرير أنّ ميزان المدفوعات قد سَجَّلَ عجزاً تراكميّاً بلغ 4.8 مليار د.أ. مع نهاية العام 2018، مقارنةً بعجزٍ بَلَغَ 155 مليون د.أ. في العام الذي سبقه، في حين ناهزت تحويلات المغتربين إلى لبنان ال7 مليار د.أ. كذلك قَدَّرَ مصرف لبنان نسبة النموّ الإقتصادي في البلاد عند 1.0% خلال العام المعني، مع معدّل تضخّمٍ للأسعار بنسبة 6.1%. في المقابل، وبحسب التقرير، لم يتأثّر عامل الثقة في الإقتصاد اللبناني وعملته الوطنيّة بالتحدّيات المذكورة، مدعوماً بقطاعٍ مصرفيٍّ صلبٍ ومتين وبمبادرات وعمليّات السياسة النقديّة للبنك المركزي. بالأرقام، برهن القطاع المصرفي اللبناني عن مناعةٍ ومرونةٍ تجاه مختلف الصعوبات، محقّقاً نموّاً جيّداً بنسبة 13.5% في مجموع أصوله إلى 254 مليار د.أ. في نهاية العام 2018، وإرتفاعاً بنسبة 3.7% في ودائع الزبائن إلى مستوى قياسيٍّ جديدٍ بلغ 189.6 مليار د.أ.، وزيادةً بنسبة 1.9% في مجموع محفظة التسليفات، مع العلم أنّ التسليفات إلى القطاع الخاصّ قد جاورت عتبة ال62 مليار د.أ.، فيما وصلت قيمة التسليفات إلى القطاع العامّ إلى نحو 34.3 مليار د.أ.
أمّا على صعيد السياسة النقديّة، فقد أَكَّدَ البنك المركزي مواصلة العمل على تحقيق أهدافه، والتي تتمحور بالأخصّ حول الحفاظ على إستقرار سعر صرف الليرة اللبنانيّة ومعدّلات الفوائد في لبنان، وحماية سلامة القطاعَين المصرفي والمالي، وتطوير الأسواق الماليّة في البلاد، وتعزيز أنظمة الدفع وتحويل الأموال، وإدارة السيولة، وضبط معدّلات تضخّم الأسعار، والمساهمة في إدارة الدين العامّ، وزيادة الثروة الوطنيّة. وتتضمّن الأدوات التقليديّة التي تمّ إستخدامها للوصول إلى تلك الأهداف بشكلٍ رئيسيٍّ الموجودات بالعملات الأجنبيّة لدى مصرف لبنان، والتي إنخفضت ب2.3 مليار د.أ. في العام 2018 إلى 39.7 مليار د.أ.، وإحتياطيّ الذهب البالغ 11.8 مليار د.أ. حينها. وقد عَزَا البنك المركزي هذا الإنخفاض في موجوداته بالعملات الأجنبيّة إلى تسديده لإستحقاقات سندات خزينة لبنانيّة بالعملة الأجنبيّة (يوروبوند) عن الدولة، بما فيها الفوائد المترتّبة عليها. كذلك أشار مصرف لبنان إلى أنّه قد أجرى عمليّة إستبدالٍ لسندات خزينةٍ بالليرة اللبنانيّة بسندات يوروبوند بقيمةٍ إجماليّة بلغت 5.5 مليار د.أ. بهدف تلبية الحاجات التمويليّة للدولة. من منظارٍ آخر، لجأ البنك المركزي إلى عمليّاتٍ ماليّةٍ مع المصارف خلال العام 2018 بهدف جَذْب ودائع طويلة الأمد معنوَنة بالعملة الأجنبيّة، وبذلك تعزيز موجوداته وإحتياطاته بالعملة الأجنبيّة. وقد سَمَحَت هذه الأدوات لمصرف لبنان بإستيعاب الصدمات السلبيّة التي نَشَبَت جرّاء التجاذبات السياسيّة قُبَيل الإنتخابات النيابيّة في النصف الأوّل من العام والفراغ الحكومي المطوَّل في النصف الثاني منه. بالتوازي، أشار التقرير إلى التقلّبات الحادّة في المردود على سندات اليوروبوند خلال العام، كاشفاً أنّ مصرف لبنان لم يتدخّل في هذا النطاق، إنّما فَسَحَ المجال لديناميكيّة السوق لتحديد المعدّلات المعنيّة. كما وذَكَرَ التقرير الزيادة الملحوظة في نِسَب الفائدة على الودائع في ظلّ الفراغ الحكومي الذي كان سائداً آنذاك، مقروناً بإرتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتّحدة وبعض الدول الخليجيّة. غير أنّه، وكما تمّ ذكره آنفاً، فقد نَفَّذَ مصرف لبنان عمليّاتٍ ماليّة بهدف تحفيز المصارف على جذب ودائع طويلة الأمد بالدولار الأميركي وإيداعها في البنك المركزي مقابِل ودائع طويلة الأجل بالليرة اللبنانيّة، الأمر الذي “ساهم بثبات مستويات الفائدة على العملات الأجنبيّة والحدّ من إرتفاعها على الليرة”. تجدر الإشارة إلى أنّ المستوى الأعلى لفائدة الإنتربنك خلال العام 2018 قد بلغ 70%، ليعود ويستقرّ عند نحو 4% في أواخر العام. وبحسب التقرير، سَجَّلَ معدَّل دولرة الودائع لدى المصارف اللبنانيّة زيادةً طفيفةً ليصل إلى نحو 69.8% مع نهاية العام المعني، كما وإرتفع معدَّل دولرة القروض والتسليفات إلى 69.2%. ويجدر الذكر أنّ مصرف لبنان قد واصل مهامه لجهة تطوير أنظمة الدفع في لبنان والإشراف عليها لتتماشى مع أفضل المعايير الدولية. أمّا فيما يختصّ بالأدوات غير التقليديّة ضمن سياسة مصرف لبنان النقديّة، فقد كَشَفَ التقرير عن سلسلة رزمٍ تحفيزيّةٍ تمّ هندستها من قبل البنك المركزي لدعم النموّ الإقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة، ومساندة العديد من القطاعات الإقتصاديّة في البلاد. كما وتابعت المصارف اللبنانيّة إستثمارها في قطاع تكنولوجيا المعلومات خلال العام 2018، والمعلّبة تحت مظلّة التعميم الوسيط رقم 331.