جعلت الحرب بين إسرائيل وحماس، التي دخلت الاثنين يومها التاسع دون آفاق واضحة لوقفها وتصورات بيّنة لتداعياتها، صفقات الطاقة في الشرق الأوسط محل تساؤل.
وطمأنت شركة “NYSEBP” الأربعاء الماضي المستثمرين بأن صفقتها البالغة 2 مليار دولار مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) لشراء حصة 50 في المئة في شركة إنتاج الغاز الإسرائيلية “نيو ميد إنرجي” لا تزال تسير على الطريق الصحيح، رغم الحرب. لكن هذه الطمأنينة لا تعني بالضرورة أن إتمام الصفقة صار قريبا.
وأخبرت أنجا إيزابيل دوتزينراث، رئيسة قسم الغاز والطاقة منخفضة الكربون في شركة بريتيش بتروليوم، المساهمين في يوم المستثمر الخاص بالشركة بمدينة دنفر الأميركية أنهم مازالوا “متفائلين للغاية” بشأن الصفقة.
وتعد شركة “نيو ميد إنرجي” المساهم الأكبر والمشغل الرئيسي لحقل ليفياثان العملاق للغاز الطبيعي في إسرائيل بحصة تشغيلية تبلغ 45.3 في المئة، في حين تمتلك شركتا “Chevron Corp” و”Ratio Oil Corp” حصة 39.7 في المئة و15 في المئة على التوالي.
ويقول ألكس كيماني في تحليل على موقع أويل برايس إنه تم طرح الصفقة موضع تساؤل الأسبوع الماضي بعد أن أوصت لجنة مستقلة عينتها شركة “نيو ميد” برفع السعر المطلوب بنسبة 10 في المئة إلى 12 في المئة، أو ما يصل إلى 250 مليون دولار تقريبًا، وهو ما قد يبدو امتدادًا بالنظر إلى أن الشركة لديها حاليًا قيمة في السوق قدرها 2.9 مليار دولار و87 مليون دولار نقدًا ولكن هناك 1.73 مليار دولار من الديون.
وفي الوقت نفسه ظهرت تقارير تفيد بأن المدراء التنفيذيين في شركتي بريتيش بتروليوم وأدنوك يتوقعون المزيد من التأخير في الصفقة حتى يتحسن الوضع السياسي.
ويخشى الخبراء أن يؤدي ارتفاع عدد الضحايا المدنيين إلى جعل استمرار الشركات في العمل غير مقبول سياسياً، حيث يتجاوز عدد القتلى في غزة 2000 شخص، معظمهم من المدنيين، وأكثر من 8000 جريح في الأسبوع الأول فقط من الصراع.
وشكل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حكومة طوارئ الأربعاء لشن حرب مباشرة على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وتعهد وزير دفاعه بالقضاء على الجماعة المسلحة واجتثاثها “من على وجه الأرض” فيما يبدو أنه واحد من أكثر الصراعات دموية في المنطقة منذ عام 2008.
واكتشفت شركة “نيو ميد” وشركاؤها حقل ليفياثان للغاز الطبيعي في منطقة حوض المشرق العربي في عام 2010. ويمتد حقل الغاز على الحدود البحرية لإسرائيل ولبنان وفلسطين وجمهورية قبرص وجمهورية شمال قبرص التركية.
ومع 22.9 تريليون قدم مكعبة من الغاز القابل للاستخراج، يعد ليفياثان أكبر خزان للغاز الطبيعي في البحر المتوسط، وأحد أكبر أصول الإنتاج في المنطقة.
لكن استحواذ شركة “نيو ميد” ليس مشروع الطاقة الوحيد الذي من المحتمل أن يتعطل بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس.
مسعى لبنان قد يفشل
في شهر أغسطس الماضي أنشأت مجموعة الطاقة الفرنسية توتال إنرجيز أول منصة حفر ضمن موقعها في البحر المتوسط قبالة ساحل لبنان بالقرب من حدود إسرائيل مع الدولة التي بدأت عمليات البحث عن الغاز.
وتأمل الدولة التي تعاني من ضائقة مالية أن تساعد مبيعات الغاز المستقبلية البلاد على الخروج من أزمتها المالية العميقة التي أدت إلى خسارة العملة المحلية أكثر من 98 في المئة من قيمتها.
وتقود شركة توتال إنرجيز كونسورتيوم من شركات الطاقة العاملة في المشروع البحري، والذي يضم شركة النفط والغاز الإيطالية العملاقة “Eni” بالإضافة إلى شركة “QatEnergy” المملوكة للدولة القطرية.
وجاءت عمليات الحفر بعد اتفاق تاريخي بوساطة أميركية العام الماضي شهد قيام لبنان وإسرائيل بإنشاء حدود بحرية لأول مرة على الإطلاق.
وفي شهر مايو الماضي قال وزير الطاقة اللبناني وليد فياض إنهم يأملون في تحديد ما إذا كانت المنطقة الاستكشافية تحتوي على احتياطيات غاز قابلة للاستخراج بحلول نهاية العام الحالي.
ويرجح محللون أن الحرب ستجعل التعاون بين البلدين شبه مستحيل، حيث يعتبر لبنان موطناً لعدو إسرائيل اللدود، حزب الله.
ومنذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الجاري يتبادل الجيش الإسرائيلي وحزب الله الهجمات عبر الحدود.
وفيما يقول حزب الله إن قصفه بعدد من الصواريخ لمواقع داخل إسرائيل يأتي نتيجة لتعرض السيادة اللبنانية للاختراق، يقول الجيش الإسرائيلي أيضا إن قصفه لبلدات ومواقع لحزب الله في جنوب لبنان يأتي ردا على الاعتداءات التي تطال أراضيه.
وقامت الولايات المتحدة بنقل إحدى أكبر حاملات الطائرات في العالم ومجموعة قتالية مصاحبة لها إلى شرق البحر المتوسط بهدف ردع حزب الله وإيران عن استغلال الوضع.
وفي الوقت نفسه من المرجح جدًا أن تؤدي الادعاءات الأخيرة بأن إيران ساعدت حماس في التخطيط للهجوم الإسرائيلي إلى توتر العلاقات بين واشنطن وطهران بشكل خطير.
نفط إيران
في حين أن أي حرب في الشرق الأوسط تشكل تهديداً محتملاً لأمن إمدادات النفط، فإن حرباً تشمل منتجاً بحجم إيران يمكن أن تكون لها تداعيات أخطر على أسواق النفط العالمية.
وبعد فترة وجيزة من انتشار أخبار الهجمات ظهرت تقارير تزعم أن إيران -وهي من مؤيدي حماس- كانت متورطة في التخطيط لها. ونفت طهران هذه المعلومات، بينما قالت إسرائيل وحليفتها الكبرى الولايات المتحدة إنه لا يوجد دليل على تورط إيران. ورغم ذلك فإن هذا لم يمنع السيناتور الأميركي ليندساي غراهام من دعوة الولايات المتحدة إلى قصف المصافي الإيرانية.
ويقول مراقبون إن هذه الدعوات والدعوات المماثلة التي أطلقتها المرشحة الرئاسية نيكي هيلي هي في الأساس دعوات لتصعيد الصراع إلى ما هو أبعد من العقوبات. ومن المرجح أن يؤدي التصعيد إلى ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل.
ومع ذلك، هناك أيضًا سيناريو محتمل آخر حيث تلعب إيران دورًا أكبر في الصراع.
وقال كلاي سيجل، مدير خدمات النفط العالمية في مجموعة رابيدان للطاقة، “الشيء الرئيسي الذي يجب مراقبته هو ما إذا كانت إيران ستشارك بنشاط في الصراع، والسبب هو قرب إيران من الممر المائي الحيوي الذي يسمى مضيق هرمز”.
ويعد مضيق هرمز، الواقع في المياه الإيرانية، أحد أكبر الممرات النفطية في العالم. وتبلغ كمية النفط التي تمر عبر المضيق يوميا نحو 17 مليون برميل من النفط، أي ما يعادل 17 في المئة من الطلب العالمي على النفط حسب التوقعات للعام الجاري. كما أنه يعادل 90 في المئة من نفط الشرق الأوسط الذي يغادر المنطقة عبر الخليج العربي.
وتتصدر أهمية مضيق هرمز عناوين الأخبار أحيانًا عندما تهدد إيران بإغلاقه، وهو ما تقوم به عندما تحتدّ التوترات بين طهران والغرب.
ويشير محللون اقتصاديون إلى أن احتمالات الخطر ستزيد -وكذلك الأسعار- إذا وصلت الأمور إلى نقطة تريد فيها إيران إغلاق مضيق هرمز وتريد الولايات المتحدة إبقاءه مفتوحًا.
وهذا من شأنه أن يرقى إلى مستوى المواجهة المباشرة بين الاثنتين والتي لا يمكن أن تنتهي بشكل جيد. لكن في الوقت الحالي يبدو هذا الاحتمال بعيدًا.
ولعل هذا هو السبب وراء عدم ارتفاع الأسعار فعلياً بعد هجمات حماس والقصف الإسرائيلي الانتقامي الذي استهدف غزة.
و يرى بنك ستاندرد تشارترد أن الولايات المتحدة لديها ثلاثة خيارات سياسية واسعة فيما يتعلق بإنتاج النفط الإيراني.
يتمثل الخيار الأول في الإبقاء على الوضع الراهن مع إنتاج يبلغ 3 ملايين برميل في اليوم أو أكثر من ذلك.
أما الخيار الثاني فهو المستوى الأعلى قبل عام 2023 حيث يقترب من 2.5 مليون برميل في اليوم، أو الخيار الثالث المتمثل في صادرات قريبة من الصفر مع إنتاج أقل من 2 مليون برميل في اليوم كما تم التوصل إليه في نهاية إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
ويشير المحللون إلى أن الخيار الأول كان السياسة الأكثر ملاءمة للولايات المتحدة من حيث تأثير السوق والجغرافيا السياسية قبل أسبوع واحد فقط.
ورغم ذلك سلطت التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط الضوء على الخيارين الثاني والثالث باعتبارهما هدفين سياسيين محتملين.
وقد زاد إنتاج النفط الإيراني وصادراته بشكل حاد في ظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، حيث وصل الإنتاج إلى 3 ملايين برميل يوميا، بما في ذلك 500 ألف برميل يوميا في العام الجاري، في حين أن الصادرات أقل بقليل من 2 مليون برميل يوميا.