أقرّت لجنة المال النيابية، أمس، اقتراح قانون الـ«كابيتال كونترول». لكن ذلك لن يُغيّر في مشهد المقايضة التي نفّذها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالتعاون مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأدت إلى إعلان مصرف لبنان إصدار تعميم يسمح للمودعين بالحصول على القليل من أموالهم نقداً، مقابل عدم السير بقانون يقيّد حركته وينهي استنسابيته.
الإشارة الأولى لرفض سلامة وضع أي تشريع ينهي سيطرته المطلقة على القطاع النقدي بدأت منذ أشهر. فهو عندما دعي إلى اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال لدرس الاقتراح، لم يوفد أياً من نوابه لتمثيل المصرف على سبيل المثال، بل كلّف مدير الشؤون القانونية في المصرف بيار كنعان بذلك.
في المقابل، أصرّ سلامة على السير بشكل متواز بمشروع ينفّذه هو من دون أي وصاية من أحد، والأهم من دون إلزامه بأي إجراءات نهائية يفرضها إقرار قانون يُقيّد السحوبات والتحويلات، أو يلزم المصارف بالتنفيذ تحت طائلة إجراءات عقابية قد تصل إلى حد وقف المصرف عن العمل. عملياً، بدأ سلامة إجراءات «الرد» على القانون بالإعلان عن تحضير تعميم يعيد السماح للمودعين بالحصول على بعض أموالهم. في المرة الأولى، أعلن أنه سيصار إلى دفع ٥٠ ألف دولار مناصفة بين الدولار النقدي والليرة على سعر منصة صيرفة، لكنه في بيانه الأخير خفض المبلغ إلى ٨٨٠٠ دولار، يحصل عليها المودعون لمدة سنة واحدة فقط.
في الخلاصة، فإن الاقتراح الذي أقر، مع الأخذ في الاعتبار للتعديلات التي طرأت، ينص على الآتي:
– منع التحويلات إلى الخارج مهما كانت طبيعة الحساب ونوعه، باستثناء:
* ما له الصفة الدائمة: حسابات المؤسسات المالية الدولية، والمنظمات الدولية والإقليمية والسفارات الأجنبية، والأموال الجديدة التي أدخلت إلى المصارف ولم تكن قد حوّلت إلى الخارج بعد 17 تشرين الأول 2019.
* ما له الصفة الطارئة والمشروطة: كنفقات التعليم الجامعي، والضرائب والرسوم والالتزامات المالية المتوجبة لسلطات رسمية أجنبية والمنوطة حصراً بالأصول الشخصية السكنية وليس الاستثمارية، ونفقات الاشتراكات والتطبيقات على الإنترنت، ضمن حد أعلى 50 ألف دولار أميركي وأدنى 25 ألف دولار والحسم النهائي للهيئة العامة بعد تسلّمها المعطيات المالية الرقمية من مصرف لبنان.
– يجيز السحوبات في الداخل على الوجه الآتي:
* بالليرة اللبنانية مبلغ 20 مليون ليرة لبنانية شهرياً (لا تشمل السحب من حساب الرواتب والأجور)، أو مبلغ 15 مليون ليرة لبنانية شهرياً، والقرار متروك للهيئة العامة لتحديد السقف.
* بالعملة الأجنبية ما بين 400 و800 دولار، على أن يحسم السقف في الهيئة العامة بعد الحصول على الأرقام الرسمية من مصرف لبنان قبل الجلسة التشريعية.
– يمنع تحويل الحسابات من الليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية إلا إذا كانت التغطية النقدية الكافية متوفرة لدى المصرف المعني.
– يحدّ من الاستنساب بتحديده ستة تدابير تضمن إلزامية وحسن تنفيذه:
* إنشاء وحدة لمركزية التحويلات.
* وضع آليّة للبتّ بالطلبات.
* تحديد مرجعية إدارية للتظلّم.
* تحديد العقوبات التي تفرض بحق المصرف المخالف وسندها القانوني.
* تحديد مرجعية فرض العقوبات مع تحديد مهلة للبتّ.
* التأكيد على حق المراجعة القضائية.
– إن أي تشريع للكابيتال كونترول يجب أن:
* يعالج موضوع المراجعات العالقة أمام القضاء والمتعلقة بالتحاويل والسحوبات المالية. فقد نص اقتراح القانون على أن تخضع الطلبات المتعلقة بهذه المراجعات لأحكامه ما يسرع البتّ بها في ضوء تلكؤ القضاء عن ذلك.
* يكون مؤقتاً واستثنائياً لأنه يمسّ بمرتكزات محميّة بموجب الدستور تمّ تجاوزها استثنائياً ولفترة محدودة تحت سقف حماية النقد الوطني ومصلحة الدولة العليا. ولذلك نص اقتراح القانون على أن مدة العمل به هي سنة قابلة للتخفيض بتدبير حكومي إذا زالت الظروف التي استدعت إصداره.
– إن التدابير التي نصّ اقتراح القانون عليها تبقى عاجزة عن وضع حلول دائمة ما لم تقترن باستقرار سياسي من أولى متطلباته تأليف حكومة تتصدّى للمشكلة بكفاءة وجدارة، وإجراء إصلاحات بنيوية من ضمن خطة واضحة ومتكاملة تضع الاقتصاد الوطني على سكة استعادة مقوّمات حيويّته وانطلاقته، وتخرج البلد من أزمته.