خدمات طبية بالتقسيط ملاذ اللبنانيين لمواجهة شح السيولة

أطلقت مجموعة كومن للوساطة التأمينية أمس الأحد خدمة جديدة تناسب كافة الفئات الاجتماعية في لبنان حتى تسهل الحصول على سلسلة خدمات طبية مجانية عن بعد وإمكانية التقسيط الشهري كذلك.

والمبادرة عبارة عن تغطية استشفائية شاملة تتضمن الفحوصات الخارجية، وستكون بأسعار تشجيعية توائم الوضع الراهن مع خدمة المراجعين والعملاء على مدار الساعة وجميع أيام الأسبوع.

وقالت الشركة في بيان “نتيجة تدهور الأحوال الاجتماعية والخدمات الصحية وتعرض قطاع التأمين الصحي لأزمة، وجد المواطن نفسه غير مغطى صحيا بعد توقف نشاط صناديق التأمين والتعاضد في المؤسسات الرسمية وصندوق الضمان الاجتماعي”.

وأوضحت أنه استجابة لهذا “السيناريو المحزن”، قامت الشركة بإطلاق خدمة جديدة تهدف إلى “توفير تغطية صحية شاملة تناسب جميع الفئات الاجتماعية في غضون 90 ثانية”.

وأشارت إلى أن “هذه الخطوة تحفظ كرامة اللبنانيين وتمكنهم من الحصول على تأمين صحّي واستشفائي كامل”.

ولا يعرف ما إذا كانت ثمة شركات أخرى تنشط في السوق اللبنانية ستقوم بنفس ما أقدمت عليه كومن. ويقول البعض إن ذلك يتوقف على قدرتها على امتصاص المخاطر المحتملة.

وتعد الخطوة كأحد الحلول التي يمكن أن تسهم في مساعدة الناس على تحمل قسوة شح السيولة في السوق مع استمرار علامات الكآبة على الحياة الاقتصادية وتعنت المسؤولين بشأن السماح بسحب الودائع خشية انهيار مالي كما تقول الحكومة.

وتفرض البنوك المحلية منذ 2019، قيودا على أموال المودعين بالعملة الأجنبية، كما تضع سقوفا قاسية على سحب الأموال بالليرة، فيما يعاني الناس من أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة، أدت إلى شح الوقود والأدوية وانهيار القدرة الشرائية.

ويزيد الشلل السياسي الوضع سوءا، ففي ظل فراغ رئاسي تدير خلاله البلاد حكومة تصريف أعمال تبدو عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، بينها إصلاحات يشترطها المجتمع الدولي لتقديم الدعم لوقف النزيف الحاصل.

وفي ظل واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم، وبعد أكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام من تفجر الاحتجاجات ضد الطبقة السياسية الفاسدة، تفكك نظام الرعاية الصحية بالبلاد بشكل سريع بسبب شح الوقود والأدوية.

ويعاني البلد من نقص في الأدوية الأساسية، التي لا تتوفر لدى الموزعين أو في الصيدليات، ولا يمكن إنتاج معظمها محليا بسبب عدم توفر المواد الأولية التي غالبا ما يتم استيرادها من الخارج كونها أساسية في عملية التصنيع محليا.

ويرزح حوالي 74 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقا لدراسة نشرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “إسكوا”.

وفعليا أصبح معظم اللبنانيين على مشارف كارثة صحية بسبب عجزهم عن دفع كلفة الاستشفاء، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي في بلادهم.

وهذا الواقع سببه عجز الجهات الحكومية الضامنة عن تأمين كلفة الاستشفاء التي باتت باهظة، لاسيما في المستشفيات الخاصة، وسط تخوف من أن تصبح الرعاية الصحية في البلاد متاحة للأغنياء فقط.

وأكبر تلك الجهات الحكومية الضامنة هي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يغطي وحده كلفة الاستشفاء لنحو 35 في المئة من اللبنانيين البالغ عددهم نحو 6.8 مليون نسمة.

ويتحمّل صندوق الضمان 90 في المئة من كلفة الفاتورة الصحية، ولا يترتب على المواطن سوى دفع بقية المبلغ. وكانت الأمور تسير على ما يرام إلى أن هبطت العملة المحلية إلى مستويات متدنية مقابل الدولار.

ولأن الصندوق يغطي 40 في المئة من اللبنانيين ومازال يدفع عن المرضى بالليرة، يجد المؤمّنون عاجزين عن الدفع بسبب تدني قيمة دخلهم، أو بسبب عدم قدرتهم على استخدام أموالهم المحتجزة في البنوك.

وتغطي وزارة الصحة وتعاونية موظفي الدولة وطبابة الجيش وقوى الأمن كلها مجتمعة 45 في المئة من اللبنانيين، إلا أنها تعاني أيضا من الأزمة نفسها، فيما 15 في المئة من المواطنين لديهم تأمين صحي لدى شركات خاصة.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن روجيه زكار، المدير العام لشركة كومن، قوله إن “اللبنانيين يعيشون حاليا أزمة اقتصادية حادة ويعانون بشكل خاص من تدهور الرعاية الصحية”.

وأضاف “كانت الدولة توفر بعض التغطية الصحية عبر الضمان الاجتماعي ووزارة الصحة وتعاونية موظفي الدولة وجهات أخرى، ولكنها أصبحت عاجزة تماما بسبب الأزمة الحالية”.

وتابع “وبالتالي، وجد المواطن اللبناني نفسه مواجها لعقبات تهدد حياته وتتسبب في تهديد كرامته الإنسانية وحقه في الصحة، ولهذا قرّرنا إطلاق هذه الخدمات الجديدة لكي تصبح بمتناول الجميع وكل الفئات الاجتماعية”.

وتسود حالة من الإحباط الممزوج بالقلق بين اللبنانيين بسبب الانهيار السريع في قيمة الليرة وشح السيولة مقابل الارتفاع المستمر للسلع الاستهلاكية والخدمات، في ظل التقلبات السياسية والاقتصادية التي يعيشها البلد دون نقطة ضوء في نهاية نفق مظلم من الأزمات.

وأدت الأزمة الاقتصادية الخانقة إلى تراجع قدرة الناس الشرائية وإلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار وخاصة خلال الأزمة الصحية والحرب في شرق أوروبا، وبات استيراد الوقود إلى البلاد شبه مستحيل.

وفي غياب الكهرباء نظرا لعدم قدرة الدولة على توفير الوقود بشكل منتظم، تعاني المستشفيات التي تعتمد على المولدات من انقطاع يومي للتيار الكهربائي، يستمر لساعات بسبب نقص كميات الوقود اللازمة لتشغيل المولدات الاحتياطية.

ويواجه قطاع الرعاية الصحية الذي يضم أكثر من 126 مستشفى خاصا كغيره من المجالات الحيوية الأخرى أزمة غير مسبوقة بسبب شح السيولة لدى مصرف لبنان المركزي، والذي يرفض منح اعتمادات لاستيراد المستلزمات الطبية والأدوية وغيرها.

ولا توجد أرقام رسمية عن الخسائر التي تكبدها القطاع الصحي منذ تفجر الاحتجاجات ضد الطبقة الحاكمة في أواخر 2019، غير أن خبراء يقدرونها بالملايين من الدولارات.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن المستحقّات المتراكمة على الدولة منذ عام 2012 كانت تساوي نحو 1.35 مليون دولار، وبات حاليا انهيار الليرة نحو 700 مليون دولار، لكن المختصين والخبراء يعتقدون أنها أكثر من ذلك بكثير.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةبنوك التنمية تعتزم زيادة إقراض الاقتصادات الضعيفة
المقالة القادمةثلاثة مؤشّرات مقلقة: على المودعين التمسّك بقضيّتهم