بينما تعيش الأجيال التي ولدت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، بتآلف وتناغم مع التكنولوجيا الحديثة، يواجه الأكبر سنا معضلة التأقلم مع التكنولوجيا الحديثة، التي زحفت على كل شيء من حولهم. وبات عليهم التأقلم مع المئات، بل الآلاف من الاختراعات والتطبيقات التي تضاف إلى القائمة يوميا.
وغالبا ما يعاني كبار السن من رهاب التكنولوجيا، ما يعتبره طفل في السادسة أو حتى الخامسة من عمره، بمثابة أمر بديهي يتعامل معه بعفوية وتلقائية، يتحول بالنسبة للكبار إلى مصدر قلق وذعر. علينا نحن الذين تجاوزت أعمارهم الستين عاما، أن نمتلك الكثير من الشجاعة للسباحة في التيار الجارف الذي يحوّل من حولنا كل شيء.
التغلب على الخوف
نحن نعيش اليوم في مدن تقترب يوميا من التحول إلى مدن ذكية، إن كنت واحدا من هؤلاء الذين يعيشون اليوم في منزل ذكي، فهو حتما أكثر ذكاء مما كان عليه قبل عشر أو خمس سنوات. منازل اليوم، تحولت دون دراية منا إلى كهف سحري يضم العديد من الأجهزة الذكية.
بدءا بالمصابيح الذكية ومقاييس درجات الحرارة، إلى الفرن، والثلاجة، وآلة غسل الملابس، وبالطبع وصولا إلى أنظمة توزيع الصوت، وجهاز التلفزيون، والهاتف الذي نحمله في جيوبنا. كل ذلك أصبح جزءا من “عاصفة” الذكاء التي تجتاح حياتنا.
إذا استطعنا أن نتلافى كل ذلك داخل المنزل، ونجحنا في إبقاء كل شيء على حاله، كما كان قبل عشرين أو ثلاثين سنة من اليوم، هل نستطيع أن نوقف زحف التكنولوجيا في الشارع، وفي الأماكن العامة والدوائر الرسمية وأماكن التسوق؟ بالطبع لن نستطيع، لذلك علينا أن نتخلص من رهاب التكنولوجيا؛ الاستمرار في الحياة اليوم، يعني بالضرورة إعادة برمجة دماغنا، والتغلب على الخوف داخلنا.
أنت غالبا تعيش في مدينة، تضطر للتعامل فيها مع مظاهر التكنولوجيا، من اللحظة التي تخرج منها خارج دارك، وبدءا بوسائل النقل العام، وحتى السيارة الخاصة التي تحولت هي الأخرى إلى كومبيوتر ضخم متحرك، أشبه ما يكون بالروبوت، ينتظر منك أن تخاطبه بالحديث، تحدد له مسارك وتطلب منه الأغنية التي تريد سماعها.
إن كنت تقصد العمل أو أنت في رحلة تسوق، ستضطر أيضا للتعامل مع التكنولوجيا، حيث استغنت معظم أماكن التسوق الكبيرة عن خدمات الموظفين، لدفع قيمة المشتريات، باستثناء عدد قليل أبقى عليهم لمساعدة عجائز يخشون تجربة التسوق الجديدة.
معاملاتك المصرفية أيضا عليك اليوم إنجازها من خلال الهاتف الذكي، أو شاشة الكومبيوتر، تقوم بالتحويل ودفع الفواتير، وطلب القروض، والاستفسار عن رصيدك.
هذا ليس كل شيء، دعونا نحدد الطرق التي غيرت فيها التكنولوجيا حياتنا وبدلت فيها المدن من حولنا. وفي الوقت نفسه نحدد ما هي المدينة الذكية، ولماذا نحن بحاجة إليها اليوم؟
لنبدأ بالتعريف، المدن الذكية هي المدن التي تستفيد من التكنولوجيا لزيادة الكفاءة وتحسين جودة الخدمات والحياة لسكانها. يمكن أن تغطي مبادرات المدن الذكية أي شيء بدءًا من توزيع الطاقة، وأنظمة النقل، وأضواء الشوارع، وحتى التخلص من القمامة. والفكرة هي استخدام البيانات والتكنولوجيا لجعل الحياة اليومية أسهل وأفضل للأشخاص الذين يعيشون ويعملون في المدينة، مع زيادة استخدام الموارد المتاحة.
يعيش المزيد منا في المدن – تتوقع الأمم المتحدة أن تصل نسبة من يعيشون في المدن إلى 68 في المئة من سكان العالم بحلول عام 2050. وهذا يعني أن المدن ستواجه تحديات بيئية واجتماعية واقتصادية متنامية.
من خلال جعل المدن أكثر ذكاءً، يمكننا التغلب على بعض من هذه التحديات وجعل المدن أماكن أفضل للعيش.
جودة الحياة
وجد تقرير صادر عن معهد ماكينزي، أن تكنولوجيا المدينة الذكية يمكنها تحسين مؤشرات جودة الحياة الرئيسية – مثل التنقل اليومي أو المشاكل الصحية أو حوادث الجريمة – بنسبة تصل إلى 30 في المئة.
كل هذا أصبح ممكنا بفضل “العاصفة المثالية” لاتجاهات التكنولوجيا – الاتجاهات التي تسمح لنا بإنشاء مساحات يتفاعل فيها البشر والتكنولوجيا بطريقة أكثر ارتباطًا وذكاءً وأتمتة.
فكر في اتجاهات مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والمركبات ذاتية. إنّ مثل هذه التطورات تغير العالم وكيف نعيش فيه. والمدن التي نعيش فيها ليست استثناء.
الآن لنعد إلى السؤال الجوهري، ما هي الطرق التي تغير فيها التكنولوجيا حياتنا؟
هناك خمس طرق رئيسة، أولها كما بات معلوما التنقل، وبالتحديد الحفاظ على حركة السير وتنظيم المرور لمنع الاختناقات.
تعد حركة المرور جزءًا من حياة العديد من سكان المدينة، وتقدم التكنولوجيا بعض الحلول الواعدة لحل المشاكل المتعلقة بها. على سبيل المثال، يمكن تعديل طرق النقل العام في الوقت الفعلي حسب الطلب، ويمكن استخدام أنظمة إشارات المرور الذكية لتحسين الازدحام. مثال على ذلك مدينة هانغتشو الصينية، حيث ساعد “ذكاء المدينة” القائم على الذكاء الاصطناعي، على الحد من الاختناقات المرورية بنسبة 15 في المئة.
أما استخدام موارد المدينة بشكل أكثر كفاءة، فهي الطريقة الثانية التي تغير بها التكنولوجيا المدينة من حولنا، مثال على ذلك استثمارات شركة الهاتف المحمول والنطاق العريض “تليفونيكا” بشكل كبير في تكنولوجيا المدينة الذكية في إسبانيا.
مثال على النجاح الذي حققته، تم إرفاق أجهزة استشعار بحاويات القمامة والنفايات للإبلاغ، في الوقت الحقيقي، عن مدى امتلائها – مما يعني أن جامعي النفايات لا يضطرون إلى إضاعة الوقت في التنقل إلى صناديق نصف ممتلئة فقط. وهذا يعني أيضًا أن مؤشرات الأداء الرئيسة يمكن أن تكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتأثير المحصلة النهائية، مثل عدد الصناديق القريبة من الامتلاء، والتي ستحتاج إلى الإفراغ خلال الساعات قليلة قادمة.
بالإضافة إلى الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة، تستخدم المدن الذكية أيضًا التكنولوجيا للمساعدة في مراقبة استخدام الطاقة والتحكم بالاستهلاك في الوقت الحقيقي عن كثب، للتقليل من استهلاكها.
وهذه هي الطريقة الثالثة التي توظف فيها التكنولوجيا في المدن الذكية؛ على سبيل المثال، في أمستردام ، يتم تزويد المنازل بعدادات طاقة ذكية مصممة لتحفيز تقليل استهلاك الطاقة، وتقوم مدن أميركية، في ولاية نيويورك، بالتحكم بشدة الإضاءة في الشوارع، مما يسمح بتعديل الإضاءة أو خفضها وفقا على لبيانات تجمع أنيا.
مدن آمنة
تشجع المدن الذكية على خلق المزيد من التعاون بين السكان، وهي واحدة من الطرق المثيرة التي توفرها تكنولوجيا الذكية، من خلال تشجيع السكان على المشاركة بشكل أكبر. وتشمل الأمثلة على ذلك التطبيقات التي تسمح للمواطنين بالإبلاغ عن المشكلات المحلية بسهولة أكبر، أو منصات الشبكات المجتمعية التي تتيح للجيران الاتصال ومشاركة الموارد.
في مثال آخر، تشجع مجموعة اختبار بيئي منخفضة التكلفة السكان على جمع البيانات البيئية المحلية. يمكن وضع أداة بسيطة لهذا الغرض في الشرفات والنوافذ، لجمع البيانات عن البيئة المحلية، بما في ذلك تلوث الهواء والضوضاء. يتم نقل البيانات إلى نظام أساسي عبر الإنترنت، مما يؤدي إلى إنشاء خارطة ضخمة للبيانات من جميع أنحاء العالم.
الطريقة الخامسة والأخيرة، التي يمكن الاستفادة منها في المدن الذكية هي الأمن، خاصة مع تصاعد نسبة الجريمة، بسبب تزايد كثافة السكان في المدن، والأزمات الاقتصادية وما يرافقها من بطالة في صفوف الشباب، الذي يجد نفسه مدفوعا للجريمة والمخدرات.
ويبدو أن نسب المحتجين على أنظمة المراقبة في الشوارع حفاظا على الخصوصية آخذة في التناقص لصالح من يدعون لاستخدام الرقابة. إذا كان “الأخ الأكبر” هو الحل لمشكلة الأمن والأمان، أهلا به.
المصدر: العرب اللندنية