«حرب إبادة» تُشنّ على الأحراج من دون حسيب أو رقيب. الحرائق التي التهمت آلاف الهكتارات الصيف الماضي، ويتوقّع أن تلتهم آلافاً أخرى في ما تبقّى من هذا «الموسم»، جاءت أزمة المحروقات لـ«تساندها» في تقليص ما تبقى من مساحات خضراء. وإن كان قطع الأشجار ليس جديداً، إذ ينشط تجّار الفحم والخشب في كل موسم في قطع الأشجار عشوائياً، إلا أن الأزمة الاقتصادية «رفدتهم» بالفقراء من سكان الجبال والمناطق الداخلية الذين لجأوا إلى اعتماد التموّن بالحطب للتدفئة، في ظل غلاء المازوت الذي بات يُباع بالدولار الـ«فريش».
أشجار معمرة قضى عليها القطع العشوائي في مناطق عدة، وخصوصاً في عكار. وسجل حتى الآن، بحسب ناشطين بيئيين، قطع نحو 100 ألف شجرة صنوبر في مناطق وادي جهنم وحرار والضهر وأبو شعيب في عكار، ومنها مناطق لم تشهد أي حرائق. وفي جرد القلّة، بين الهرمل، وعكار «أُعدمت» مئات من أشجار الشوح واللزاب. وكذلك الأمر في راشيا حيث قطعت أعداد كبيرة من أشجار السنديان واللزاب المعمّرة بهدف التجارة.
مدير التنمية الريفية في وزارة الزراعة شادي مهنا لفت إلى أن البعض يبرر قطع الأشجار كونها احترقت، في حين أن أغلب الحرائق وقعت في مناطق جبلية ذات منحدرات قوية، و«من الضروري الإبقاء على هذه الأشجار المحترقة لسببين: أولهما أننا لا نعرف ما إذا كانت الشجرة قد احترقت كلياً لأن بعض الأشجار تسودّ فقط من الشحتار ويمكن أن تفرخ من جديد في الربيع، وثانيهما هو أنه حتى لو ماتت الشجرة كلياً فإن بقاءها ضروري لمنع انجراف التربة عند هطول الأمطار. وهذه قاعدة أساسية لإعادة الإنبات، لأنها تحفظ البذور الموجودة في التربة من الانجراف، حتى لا نفقد الأمل بأن تعيد الغابة تكوين نفسها من جديد».
في الإطار القانوني، تمنح وزارة الزراعة رخص التشحيل والتفريد ورخص الفحم طوال الفترة الممتدة من 14 أيلول حتى 15 نيسان وتسمى رخص استثمار، يكلف مراقبتها حارس أحراج. وكل قطع من دون رخصة مخالف للقانون يعاقب عليه. و«تشجع الوزارة على تشحيل أشجار السنديان والعفص والملول وهي أشجار ورقية تتجدد بسهولة إذا جرت عملية القطع بطريقة فنية وبالمواصفات التي تحددها الوزارة، لكن ما يجري هو قطع للأشجار الصمغية كأنواع السنديانيات والصنوبريات، وأحياناً يقطع شجر الأرز واللزاب والشوح وهي أشجار نادرة»، بحسب مهنا.
المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية يؤكد أن هذه الظاهرة «وجه من وجوه استغلال الأزمة وليست أثراً من آثارها، كون معظم المعتدين من تجار السوق السوداء الجديدة للحطب بعد المحروقات. ويمكن القول إن مافيا الحطب تتمتع بنفس مواصفات مافيا المحروقات في الانتشار والنفوذ والسطوة». ويلفت الى أنه حتى سعر الحطب لحق بأسعار المحروقات، ولم يعد في متناول الفقراء الذين لم يتدبر معظمهم أمر التدفئة حتى الآن، إذ إن طن الحطب وصل إلى 3 ملايين و200 ألف ليرة، ولذلك «بلقوط هؤلاء أغصان البساتين ويجمعون قناني البلاستيك والكرتون لرميها في الموقدة وينتظرون الجمعيات والأحزاب، علّها تمنّ عليهم بالمازوت»، بحسب ناشط بيئي في عكار.