في الجلسة التشريعية التي عقدت يوم الجمعة الماضي قرّر رئيس المجلس النيابي نبيه برّي إعادة مشروع قانون الكابيتال كونترول إلى اللجان النيابية مع إمهال الحكومة شهريْن لإرسال سلّة القوانين المالية إلى المجلس النيابي. خلال مناقشة مشروع القانون افتتح نائب رئيس المجلس الياس بو صعب النقاش الذي أدى الى التأجيل، حيث اعتبر أنّ إقرار المشروع لن يحلّ أيّ مشكلة إذا لم تقرّ سلّة القوانين المالية، وهو رأي مشابه لما أدلى به النائب مروان حمادة. ثم سأل بو صعب الحكومة إذا كان صندوق النقد الدولي موافقاً على هذا المشروع، فأجابه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي مؤكداً أنّ الصندوق غير موافق على المشروع بالصيغة المطروحة.
عقب توجيه رئيس المجلس الحديث إلى الحكومة، اعتبر نائب رئيسها أن لا ارتباط وثيقاً بين الكابيتال كونترول وباقي القوانين المالية، وأنّ ربط القوانين ببعضها البعض قد يؤدّي بنا إلى الانتظار 5 سنوات أخرى. في المقابل، اعتبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّ إقرار الكابيتال كونترول لن يقدّم ولن يؤخر في عملية الإصلاح المالي، لا بل إنّه سيعطي انطباعاً بأنّنا نقرّ القوانين بالمفرّق. فما كان من رئيس المجلس النيابي الا اصدار فتوى إمهال الحكومة شهريْن لإحالة القوانين المالية وإعادة مشروع الكابيتال كونترول إلى اللجان!
مما سبق يمكن استنتاج ما يلي:
أولاً: كان مشروع القانون بعهدة النائب بو صعب. وعقد له اجتماعات كثيفة مع كل الاطراف ذات الصلة، لكنه فشل في التوصل الى الصيغة التي تتوافق مع ضرورة الاصلاح وفقاً للاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وعليه الاعتراف بالفشل، وان يقول لنا لماذا فشل.
ثانياً: من المستغرب ان يدفع الشامي باتجاه اقرار قانون لا يوافق عليه صندوق النقد كما قال الشامي نفسه. فكيف يبرر ذلك وهو الحريص على تنفيذ الاتفاق المبدئي مع الصندوق، ويشكو ليل نهار من تأخر الاصلاحات واقرار التشريعات الاصلاحية؟
ثالثاً: ألم يلاحظ الشامي ان ميقاتي ليس متحمساً للمشروع؟ وما رأيه في ذلك؟ فقول ميقاتي (ان اقرار الكابيتال لن يقدم ولا يؤخر في عملية الاصلاح) لا يشي الا بانه ضد المشروع بصيغته المطروحة من جهة، ربما تماهياً مع اعتراضات المصارف عليه. ومن جهة اخرى يتقاطع مع الرئيس بري في استمراء لعب لعبة الوقت والتأجيل والتسويف خوفاً من الاستحقاق الحقيقي للاصلاح الذي صار واضحاً انه يحشر الطبقة السياسية والمصرفية.
رابعاً: ما معنى ان يعطي بري الحكومة مهلة شهرين لاحالة القوانين المالية؟ فهل يعلم بري ان في لجنة المال والموازنة، على سبيل المثال لا الحصر، مشروع قانون يرمي الى اعادة التوازن والانتظام للنظام المالي؟ فهذا المشروع هو حجر الزاوية للاعتراف بالخسائر ويطرح كيفية رد ودائع. لكن بري لا يرى الا ما يريد هو فقط رؤيته.
خامساً: يعلم بري وميقاتي ان مهلة شهرين هي في باب التسويف الاضافي والمماطلة المكشوفة منذ بداية الازمة. لكنهما، كل من موقعه، يهربان من حقيقة الكارثة وكيفية معالجتها. كيف لا وبري نفسه كان اول المعترضين على اقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول في الاشهر الاولى للأزمة، فطارت الطيور بأرزاقها عندما هرّب النافذون والمصرفيون الأموال الى الخارج.
سادساً: حرص مجلس النواب الاسبوع الماضي على اقرار مشاريع قوانين للاقتراض ومشروع الصندوق السيادي الذي يوهم الناس بأن هناك ثروة علينا الاتفاق سريعاً على كيفية ادارتها، كما قانون التقاعد في وقت تبخرت فيه مليارات الدولارات من صندوق نهاية الخدمة لمئات آلاف الموظفين. فاقرار قانون التقاعد على انه انجاز تاريخي كما يدعي بري ومدير عام صندوق الضمان الاجتماعي محمد كركي يشبه ايضاً بيع الناس وهماً على أمل الا يطالبوا بمحاسبة من بدد تلك المليارات في صندوق الضمان.
الخلاصة هي ان مجلس النواب مستمر منذ اكثر من 4 سنوات في الهروب من استحقاق الاعتراف بالخسائر وكيفية توزيعها، مكتفياً باجترار ما يقوله رئيس المجلس بأن الودائع مقدسة. أما كيف هي مقدسة، فذلك في علم الغيب! (م.ي.)