لم يتمّ الإعلان عن إطلاق المنصة الالكترونية لمصرف لبنان قبل نحو شهرين، في اجواء عادية، بل تحت الضغط، وفي مناخٍ متشنّج. يومها، كان رياض سلامة يخضع للمساءلة من قِبل السلطة السياسية حول الاسباب التي أدّت الى تحليق دولار السوق السوداء ووصوله الى 15 الف ليرة. وكانت السلطة السياسية، تشير الى ارتفاع الدولار وكأنّه مؤامرة محبوكة في الغرف السوداء لأهداف سياسية.
في هذه الاجواء، جرى الاعلان عن المنصّة المركزية، وتمّ الترويج لها على أنّها علاج ناجع لمسألة استمرار ارتفاع الدولار، كما تمّ الترويج لسعر ثابت للدولار في حدود الـ10 آلاف ليرة. كل هذا الكلام لم يكن في موقعه الصحيح، وحتى من يطلقه كان يعرف ذلك، لكن الهدف كان محاولة اشاعة مناخ ايجابي يؤمل منه أن ينعكس فعلياً على سعر الدولار في السوق السوداء.
لا بدّ من التوضيح انّ مبدأ وجود منصة مركزية للتداول الحر أمرٌ مطلوب لجسّ نبض السوق، ومعرفة السعر التقريبي الحقيقي للعملة الوطنية. هذا المبدأ يمكن اعتماده ضمن أي خطة اقتصادية انقاذية بهدف توحيد سعر الصرف، ومن ثم اتخاذ قرار بالسعر المرجعي الذي سيجري اعتماده لليرة، بحيث يكون سعراً واقعياً يعكس العرض والطلب والمخزون الاحتياطي، بالإضافة الى اداء الاقتصاد القائم والمتوقع على المدى القصير.
الشفافية التي يفترض ان تؤمّنها المنصّة لا يمكن أن تتحقّق إلّا بشرط وحيد، ينصّ على نجاح المنصّة في الغاء السوق السوداء والحلول مكانها. ولكي نصل الى هذه المرحلة ينبغي ان تعمل المنصة على غرار آلية السوق السوداء، أي انّ تشتري وتبيع الدولار.
كل الخيارات ستكون صعبة وقاسية، والأرجح انّ سلامة سيتعرّض لضغوطات سياسية من العيار الثقيل لإلزامه بالتدخّل، خصوصاً انّه سيصبح مسؤولاً الى حدٍ ما عن السوق، بسبب إشراف المركزي على منصة التداول، وسينتقل البلد بسرعة من تحت الدلفة الى تحت المزراب… كل الطرق المرسومة حتى الآن توصل الى جهنم.