الدين العام الفعلي: أقل من 42 مليار دولار

حسب آخر تقارير وزارة الماليّة، وبعد احتساب قيمة الفوائد المتراكمة على السداد، بلغت قيمة الدين العام المقوّم بالعملة الأجنبيّة نحو 38.52 مليار دولار، منها نحو 9.45 مليار دولار من السندات التي استحقت تدريجيًّا منذ آذار 2020، من دون أن تُسدد.

على أي حال، من الناحية القانونيّة البحتة، لم يكن هناك من فرق يُذكر بين السندات المستحقة منذ شهر آذار، وتلك التي يُفترض أن تستحق في المستقبل، طالما أن عقود بيع سندات اليوروبوند تنص على استحقاق كامل هذه السندات، بمعزل عن تاريخ استحقاقها الأساسي، بمجرّد تخلّف مصدّر السندات -أي الدولة اللبنانيّة- عن السداد في أي استحقاق. وهو ما حصل أساسًا منذ شهر آذار الماضي. إلا أن الإشكاليّة الأساسيّة اليوم تكمن في أن الحكومة اللبنانيّة لم تشرع حتّى هذه اللحظة في التفاوض مع حملة هذه السندات، إذ كان من المفترض -كما هو الحال بعد أي عمليّة تخلّف عن السداد- أن تنطلق الحكومة في مفاوضات خاصّة مع دائنيها، بهدف إعادة هيكلة هذه الديون وفق آجال وفوائد وقيم جديدة.

على الضفّة الأخرى، وحسب تقرير وزارة الماليّة الأخير أيضًا، تجاوزت قيمة الدين العام المقوّم بالعملة المحليّة حدود 61.86 مليار دولار، وهو ما يجعل قيمة إجمالي الدين العام (بالليرة والعملات الأجنبيّة) نحو 100.38 مليار دولار. مع الإشارة إلى أن الدولة اللبنانيّة استمرّت منذ آذار 2020 بسداد السندات المقوّمة بالليرة اللبنانيّة، عبر اقتراض السيولة اللازمة لذلك من مصرف لبنان، الذي يملك قوّة خلق النقد بالليرة اللبنانيّة. وهذه العمليّة مثّلت منذ ذلك الوقت أحد أسباب تدهور سعر الصرف الليرة اللبنانيّة، بالنظر إلى أثر طباعة النقد المستمر لتمويل سداد هذه السندات.

في كل الحالات، ثمّة إشكاليّة كبيرة هنا في طريقة احتساب وزارة الماليّة لإجمالي الدين العام، بالنظر إلى اعتمادها سعر الصرف الرسمي القديم لتقدير قيمة الدين المقوّم بالعملة المحليّة، واحتسابه بالدولار، قبل إضافة هذا الرقم لقيمة سندات اليوروبوند (سندات الدين بالعملة الأجنبيّة). وبمجرّد اعتماد سعر الصرف الرسمي القديم، بدل اعتماد سعر الصرف الفعلي في السوق، من الطبيعي أن تتضخّم قيمة الدين العام بالليرة، عند احتسابه بالدولار الأميركي. مع الإشارة إلى أن سعر الصرف الرسمي لم يعد معتمداً حتّى في تعاملات الدولة مع مصرف لبنان، ما يجعل اعتماده لاحتساب قيمة الدين العام مسألة غير مبررة من الناحية الاقتصاديّة.

بالعودة إلى حسابات الدين العام، ستبلغ قيمة الدين العام المقوّم بالليرة اللبنانيّة، في حال احتسابه بالدولار وبسعر الصرف الفعلي، أقل من 3.33 مليار دولار أميركي، وهو ما يجعل إجمالي الدين العام (بعد إضافة قيمة الدين المقوم بالعملة الأجنبيّة، أي اليوروبوند) نحو 41.85 مليار دولار. وبذلك، توازي قيمة الدين العام الإجماليّة والفعليّة نحو 41.6% فقط من قيمة الدين الذي تعكسه التقارير الرسميّة، والتي تعتمد سعر الصرف الرسمي القديم. أمّا الملفت للنظر، فهو أن انهيار سعر الصرف قلّص قيمة الدين العام الإجماليّة عند احتسابها بالدولار إلى نحو 41.85 مليار دولار، بعد أن بلغ الدين العام نحو 91.64 مليار دولار سنة 2019، قبل حصول الانهيار في سعر صرف الليرة، أي أنّ قيمة الدين العام انخفضت بنحو 51% بعد تدهور سعر الصرف.

وأخيرًا، من المعلوم أن جميع التقديرات تذهب إلى احتساب الدين العام كنسبة من الناتج المحلّي، لتبيان العبء الذي يمثّله على الاقتصاد الوطني. وحسب هذه الأرقام، تبلغ قيمة الدين العام اليوم نحو 1.91 مرّات قيمة الناتج المحلّي، فيما يُفترض أن يتم تخفيض قيمة الدين -بعد إعادة هيكلته- إلى نحو 100% كحد أقصى من قيمة الناتج المحلّي، حسب الشروط التي يفرضها صندوق النقد على لبنان.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةصندوق النقد يريد “كابيتال كونترول” والحكومة تفصّله لضرب المودع؟!
المقالة القادمةنصف لبنان يريد الهجرة!