«المنصّة» أداة لشراء الوقت

قرّر مصرف لبنان أن يعالج التدهور في سعر الصرف عبر خلق منصّة للتسعير. ما هي هذه المنصّة؟ ما الهدف منها؟ هل هي أداة للتسعير فقط أم أنها أكثر من ذلك؟

في مطلع الأسبوع الماضي، سجّل سعر صرف الدولار في السوق الحرّة نحو 15 ألف ليرة مقارنة مع 10 آلاف ليرة قبل عشرة أيام. السبب الذي مُنح لهذا التدهور في اجتماع عُقد في بعبدا في 8 آذار الماضي، تركّز على منصّات التسعير الإلكتروني. يومها، ردّد رؤساء الأجهزة الأمنية رواية شبه موحّدة عن وجود تلاعب في التسعير، أو طلب مصطنع على الدولار تظهره هذه المنصّات. هكذا اتُّخذ القرار بوقف المنصّات، لكنّ الأمر لم ينفع لأنه في الأيام التالية بدأ سعر الدولار يرتفع أكثر إلى أن بلغ 15 ألف ليرة. ولم يتراجع هذا السعر إلا بعد سلسلة أحداث سياسية أفضت إلى فتح باب الأمل بتشكيل حكومة. السوق أفسحت المجال أمام فرصة من هذا النوع، فتراجع السعر إلى حدود الـ10 آلاف ليرة وسط وعود بأن يعمل مصرف لبنان على خفضه أكثر عبر منصّة تسعير إلكترونية.

المنصّة هي عبارة عن آلية تسجيل طلبات شراء وبيع الدولار. التسعير في ظل هذه الآلية، هو عبارة عن معدلات العرض والبيع وربما تأخذ في الاعتبار العمليات المنفّذة، لكنّ منصّة مصرف لبنان ليست أداة للسيطرة على سعر الصرف للأسباب الآتية:

للوهلة الأولى، يمكن إساءة الظنّ بأن آلية التسعير هذه هي عبارة عن عرض وطلب خالٍ من التدخلات على طريقة آدم سميث بأن هناك «يداً خفية» تتحكّم بالأسواق، لكنه ليس كذلك أبداً. فالأمر الأساسي يتعلق أولاً بتمويل عمليات بيع الدولار، وهو ما يثير سؤالاً أساسياً: هل مصرف لبنان سيعرض دولاراته على هذه المنصّة، أم أن المصارف هي من سيعرض دولاراتها التي جمعتها سابقاً من أجل تأمين السيولة الخارجية بنسبة 3% من ودائعها بالدولار؟

إن استبدال المنصّات الإلكترونية «غير الشرعية»، مقابل منصّة مصرف لبنان، من أجل تسعير الدولار، يعكس ضعف القدرة على إنشاء مرجعية للتسعير.

قد يكون من بين أهداف مصرف لبنان، أنه يسعى إلى امتصاص بعض من السيولة بالليرة التي ضخّها في الأسواق خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية. فمن خلال التحكّم بعملية التمويل عبر المصارف قد يمكنه امتصاص بعض من هذه السيولة بعيداً من الأدوات التقليدية لعملية الامتصاص التي يمكن القيام بها عبر رفع أسعار الفائدة. طبعاً، إجراء كهذا، أي رفع أسعار الفائدة غير ممكن حالياً، لكن المنصّة ليست بديلاً مثالياً، بل هي بديل ظرفي وهشّ وسط محدودية القدرة على الامتصاص، أو خلق توازن بين عمليات الامتصاص وضخّ السيولة المتواصلة من أجل إطفاء خسائر القطاع المصرفي.

إذا كانت منصّة مصرف لبنان مخصّصة لعمليات التبادل التجاري والصناعي حصراً، فهذا يعني أن باقي أنواع العرض والطلب السوقي، سيبقى في السوق. بهذا المعنى، فإن ما يُسمى «سوقاً سوداء» ستبقى قائمة ضمن حدود واسعة في ظل أوضاع شديدة الحساسية.

عملياً، لا يمكن التأكّد إذا كان مصرف لبنان قادراً على شراء المزيد من الوقت من خلال خطّته لتهدئة السوق عبر منصّة التسعير، بينما خطّته الأصلية تتعارض معها.

مصدرجريدة الأخبار - محمد وهبة
المادة السابقة“من الممكن أن يلامس سعر البنزين الـ300 ألف”… اليكم الحل الوحيد
المقالة القادمةهل يمكن تحييد سوق الصرف عن تداعيات الأزمة؟