بين مصادر تمويل الدولة واحتياطي مصرف لبنان… هل دقّت ساعة “الدعم”؟

من المعروف إقتصادياً، أنّ مصادر تمويل رئيسية لأي عجز في مالية الدولة، تكون:

أولاً، زيادة الإيرادات الضريبية عبر زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة وزيادة الرسوم. الضرائب المباشرة تكون أكثر عدالة كونها مرتبطة بقدرة المكلّفين وتشمل الضرائب على أرباح المؤسسات، الضرائب على الرواتب والأجور، الضرائب على فوائد الودائع المصرفية، والضرائب على إيجار الأملاك العقارية… وكلما كانت هذه الضرائب تصاعدية تراعي قدرة المكلّفين بها وتزيد العدالة الاجتماعية في التعامل معهم.

أما الضرائب غير المباشرة (مثل ضريبة القيمة المضافة على السلع) فتكون أقل عدالة، كونها لا تميّز بين قدرات المكلّفين وتضع عليهم نفس الأعباء بغض النظر عن اختلاف الامكانيات.

ثانياً، اللجوء الى السلفات المباشرة من المصرف المركزي، أي طباعة النقد، وهو أسهل الطرق بالنسبة للدولة العاجزة مالياً والمتمادية في نفقاتها، ولكنه الأكثر كلفة نقدياً واجتماعياً، نظراً لتداعياته التضخمية.

ثالثاً، اللجوء للدين العام، أي في ما يتعلّق بلبنان إصدار سندات خزينة بالعملة الوطنية، والتي حتى لو اكتتب بها المصرف المركزي تكون أقل خطر تضخّم من سلفات الخزينة المباشرة، لأنّه يمكن للمصرف المركزي إعادة بيعها لامتصاص فائض السيولة وخطر التضخم عند الحاجة…

رابعاً، الدين الخارجي، أي في ما يتعلّق بدين لبنان بالعملات الأجنبية بإصدار اليوروبوند (فيما عالمياً يُعتبر الدين الخارجي فقط مجموع السندات المكتتبة من غير المقيمين)، وعادة ما يكون هذا الدين مغرياً للدول النامية، كونه بأقل فائدة من سنداتها بالعملة الوطنية (نظراً لفارق المخاطرة)، ولكنّ خطره أنّه لا يمكن للدولة إن كانت عاجزة عن التسديد عند الاستحقاق أن تلجأ إلى المصرف المركزي لطباعة العملة لتغطيتها وتحمّل التضخم بعدها، لأنّه لا يمكن للمصرف المركزي المحلي طباعة العملات الأجنبية.

إذاً، في لبنان معدل الاحتياطي الالزامي على الودائع تحت الطلب هو 25%، والاحتياطي الالزامي على الودائع لأجل بالليرة أو العملات الأجنبية هو 15%. الاحتياطي الالزامي بالليرة اللبنانية يوضع في مصرف لبنان من دون فوائد.

إذاً “الدعم” يكون من موازنات الدولة وفي إطار سياسة الرعاية والتدخّل الاجتماعي، وليس من المصرف المركزي واحتياطاته التي هي جزء لا يتجزأ من ودائع زبائن المصارف، كأدة معتمدة للتأمين على حدّ أدنى من حقوق المودعين، ومنع المصارف من التصرّف أقلّه بهذه الاحتياطات!

اليوم، سبل التمويل للقطاع العام استُنفدت، لا إمكانية لزيادات ضريبية تحسّن الايرادات في ظل إقتصاد “مخنوق”، ولا إمكانية إستدانة جديدة بعد إعلان تعثّر السداد، وخصوصاً في ظل التوقّف عن التفاوض مع الدائنين، والدولة مستمرة باللجوء الى المصرف المركزي لتلبية حاجاتها التمويلية بطباعة النقد وزيادة السيولة التي تُترجم بزيادة التضخم في غياب أي إصلاحات، وحتى السياسات النقدية غير التقليدية استُنفدت واستُنفدت معها معظم دولارات المودعين الموظّفة لديه عبر المصارف. فهل يعود لأصحاب الودائع أقلّه الاحتياطي الإلزامي المعلن أنّه لا يزال متوفراً؟ وهل تسعى الدولة لمخارج تمويل تتحمّل فيها للمرة الأولى “دعماً” فعلياً من قبلها وعلى مسؤوليتها؟

مصدرجريدة الجمهورية - د. سهام رزق الله
المادة السابقةالاحتياطي الالزامي يفتح المواجهة بين “المركزي” والمصارف؟
المقالة القادمةهل يصبح لبنان قبيلة بدائية خارج الحضارة؟