تونس في معركة حاسمة لوقف تضخم الديون الأسرية

تعززت مخاوف المسؤولين التونسيين والأوساط الاقتصادية من احتمال تعرض القطاع المصرفي إلى الشلل بسبب تعثر استرجاع أقساط القروض من الأسر لعدة عوامل من أهمها فقدان الوظائف نتيجة تداعيات الوباء، رغم أن هناك محاولة من حكومة تصريف الأعمال لتسوية تلك المشكلة بشكل قانوني تتباين المواقف حول نجاحها.

يثير مشروع قانون أعلنت عنه الحكومة التونسية في وقت سابق هذا الشهر يتضمن آليات للحد من إدمان الأسر على القروض وبالتالي إنقاذ القطاع المصرفي من المشاكل التي يعاني منها، حالة من الجدل حول الجدوى منه في ظل الوضع الاقتصادي السيء.

وخلال السنوات العشر الأخيرة تحولت ديون الأسر من أداة اقتصادية توفر لهم مجالا للاستفادة من الكماليات أو الرفاهية إلى وسيلة ضرورية لتوفير المتطلبات الأساسية للحياة اليومية.

ويؤكد مختصون في الاقتصاد خلال أحاديث متفرقة مع “العرب” أن أغلب الأسر باتت اليوم رهينة مختلف أنماط القروض المصرفية سواء الاستهلاكية منها أو قصيرة الأجل، بالإضافة إلى اعتمادها على السلفة المالية من المرتب.

ويُقصد بوضعية التداين المفرط عدم قدرة المدين على سداد مجموع الديون غير المهنية ومعلومة المقدار، وفقا لما يتوفر لديه من مداخيل وأموال قابلة للتسييل ومن موجودات قابلة للصرف على المدى القصير.

وتقول حكومة تصريف الأعمال إن مشروع القانون يهدف إلى مساعدة الأشخاص الذين يعانون تداينا مفرطا تجاه البنوك وعجزوا عن سداد قروضهم شرط ألّا تكون لهذه الديون طبيعة مهنية وشرط إثبات عجزهم الحقيقي عن السداد.

ووفق مشروع القانون، الذي اطلعت عليه “العرب” فإنه يستهدف “وضع آليات أهمها التسوية الرضائية لسداد الديون مع مراعاة القدرة الخاصة بالمدينين على تغير مصاريفهم ذات الصبغة المعيشية ثم آليات التسوية القضائية وآليات تصفية في صورة فشل التسوية الرضائية”.

كما اقترح المشروع “وضع مبادئ تتعلّق بفتح إمكانية طلب التسوية لوضعية التداين المفرط لمختلف الشرائح الاجتماعية شرط توفر مبدأ حسن النية”.

ومن بين الشروط حصر مجالات التسوية في الديون غير المهنية ثم خيار تقديم التسوية الرضائية والتوافقية والمجانية على التسوية القضائية، التي تأتي في مرحلة ثانية. وعلاوة على ذلك ترسيخ مبدأ خيار القرب من المواطنين عبر إحداث لجان معالجة لوضعيات التداين على مستوى كل ولاية.

وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال إلياس الفخفاخ قد أكد الأسبوع الماضي أن الوضع الاقتصادي صعب للغاية، وهو مرتبط بشدة بالوضع السياسي “المتأزم”. وقال في تصريحات صحافية إن الوضع “أخطر مما يعتقده البعض”.

ورغم أن خبراء يرون أن الحكومة تأخرت كثيرا في خطوة استرداد الديون المتعثرة من المواطنين وخاصة تلك، التي أصدرتها البنوك الثلاثة المملوكة للدولة، والتي تفاقمت أزماتها خلال السنوات الأخيرة، لكن شقا آخر يقول إنها خطوة قد تساعد في تخفيف أزمات القطاع المالي.

واعتبر المتخصص في الاقتصاد محسن تيس في تصريح لـ”العرب”، “أنها فكرة جيدة لأن أزمة فايروس كورونا أدت إلى تفاقم الوضع المالي لغالبية العائلات التونسية المثقلة بالفعل بتدهور القدرة الشرائية”.

ولكنه أشار إلى أنه “يجب علينا أيضا ضمان الوضع المالي للمستفيدين الحقيقيين من هذا القرار لحماية مؤسسات الائتمان أيضا”. وأوضح أن هذا هو السبب في “أننا يجب أن نبحث عن الصيغة المناسبة لكلا الطرفين وهما البنوك والأشخاص المدينون من أجل حل المشكلة دون أن يتضرر أحدهما”.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن حجم القروض المسلمة من طرف البنوك المحلية للأسر التونسية بلغت بنهاية النصف الأول من العام الجاري نحو 24 مليار دينار (8.8 مليار دولار).

وتتنوع هذه القروض بحسب احتياجات المواطنين لها، حيث تظهر الأرقام أن البنوك قدمت نحو 11.2 مليار دينار (4.1 مليار دولار) كقروض سكنية، بينما منحت المبالغ الأخرى كقروض استهلاكية.

وفي ضوء تلك المؤشرات، فإن معدّل التداين الأسري في تونس بلغ قرابة 32 في المئة باعتبار الناتج المحلي الإجمالي المتاح للأسر، وهو رقم مرتفع للغاية.

ويعتقد تيس، وهو رئيس تحرير مجلة الاقتصاد المغاربي المحلية الناطقة بالفرنسية، أن تطبيق مشروع القانون سينجح في حال صادق عليه البرلمان لأن كثيرا من الأسر تريد تسوية وضعياتها الشائكة خاصة وأن ديونها “تتبع اتجاها تصاعديا”.

وقال إن “ارتفاع معدل البطالة بسبب فقدان الوظائف في ظل جائحة كورونا تسبب في زيادة مديونية الأفراد والأسر للبنوك ومؤسسات الإقراض الأصغر والجمعيات التي تعمل في مجال الإقراض”.

وحول ما إذا كانت البنوك ستتمكن من الحصول على ديونها المعدومة، يرى تيس أن ذلك “يعتمد على قدرة سداد الأشخاص وعلى إرادة الدولة في حال دخلت كضامن لأن البنوك ومؤسسات الائتمان تسعى أولا إلى الحصول على ضمانات”.

ويعتبر إصلاح القطاع المصرفي من ضمن الخطوات المهمة التي يطالب بها صندوق النقد الدولي، الذي اتفق مع تونس في 2016 على برنامج تمويل بقيمة 2.9 مليار دولار على مدى أربع سنوات.

وتواجه تونس صعوبات اقتصادية في ظل معدل تضخم مرتفع وعجز تجاري خارجي فاق كل الحدود تسبب في امتصاص جزء من الاحتياطات النقدية وانعكس في نهاية المطاف على نشاط البنوك.

ويعاني القطاع المالي من غياب الحوكمة التي تنشر الفوضى والترهل، ما أدى إلى ضعف كفاءة البنوك وحوّلها إلى عائق كبير بدل تحريك النشاط الاقتصادي في جميع القطاعات.

ويقول اقتصاديون إن إعادة هيكلة القطاع خطوة إجبارية، لكن يجب أن تخضع للتدقيق بشكل دوري وألا تمر دون محاسبة المسؤولين على الوضعية التـي وصلـت إليهـا تلك البنوك.

وتظهر البيانات أن البنوك في تونس، والبالغ عددها 24 بنكا، توفر حوالي 87 في المئة من الاستثمارات، وبالتالي فإن إعادة هيكلتها على أسس مستدامة يمكن أن تنعش الاقتصاد.

 

مصدرالعرب اللندنية - رياض بوعزة
المادة السابقةأسواق الأسهم تغرّد خارج سرب الاقتصاد العالمي
المقالة القادمةالسعودية تعزز أمنها الغذائي بشركة وطنية للحبوب