خطوط الإمداد العالمية تستعد لتوسع التقلبات الاقتصادية

تستعد خطوط الإمداد العالمية لتوسع التقلبات الاقتصادية جراء تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية بعدما كانت الحكومات تمنّي النفس بإعادة ترتيب أولويات إنعاش النمو في دولها. وبعد تفشي الوباء في كل دول العالم كانت طرق التجارة هي الأصعب على مدار العامين الماضيين ولكن تم الشعور بالاضطراب الأخير في شرق أوروبا وبشدة في ألمانيا، التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة والموردين الروس في جميع أنحاء أوروبا الشرقية. وسجلت توقعات الأعمال في أكبر اقتصاد في المنطقة خلال مارس الماضي أكبر انخفاض في شهر واحد على الإطلاق، وتواجه المصانع في أنحاء القارة نقصا في الديزل وقطع الغيار، كما تأخر نقل البضائع عبر بوابات بحر الشمال الرئيسية مثل بريمرهافن.

ونسبت وكالة بلومبرغ إلى فينسينت ستامر الخبير التجاري بمعهد كيل الألماني للاقتصاد العالمي قوله “اعتقدنا أن روسيا مجرد قصة موارد ستؤدي إلى رفع أسعار الطاقة وأنها ستجعل سلاسل التوريد أكثر تكلفة لكنها لن تعطلها”. وأضاف “يبدو أنه تهديد أكثر بقليل مما توقعنا في البداية”.وعلاوة على النكسات في زمن الحرب، فإن تفشي متحور أوميكرون يوسع من استخدام الصين لعمليات الإغلاق الصارمة في المراكز التجارية الرئيسية، وكان أحدثها في شنغهاي.

وذكرت شركة ميرسك التي تُعد أكبر مشغل أسطول سفن حاويات في العالم الاثنين الماضي إن بعض المستودعات التي تخدم الموانئ المحلية في الصين قد أغلقت إلى أجل غير مسمى، وإن النقل بالشاحنات من المحطات وإليها “سيتأثر بشدة”. وأشار ستامر إلى أن الصادرات الصينية تتراجع بالفعل من ذروة أكتوبر 2021 وهو اتجاه قد يستمر خلال الأشهر القليلة المقبلة إذا حافظت بكين على موقفها المتشدد في مكافحة الفايروس. وقال “سيؤدي ذلك إلى إضافة تأخيرات في الشحن ومشاكل في تحديد المصادر وتكاليف للأنشطة التجارية من الولايات المتحدة إلى أوروبا”.

ووفقا لمؤشرات قيود العرض التي طورتها بلومبرغ إيكونوميكس، تكثفت الضغوط في الولايات المتحدة وأوروبا في فبراير الماضي بعد عدة أشهر من التحسن، وبالتالي تشير الأدلة إلى أن سلالات فايروس كورونا لن تنحسر. واستشهد ستامر بمثال تجميعات الأسلاك الكهربائية المصنوعة في أوكرانيا لشركات صناعة السيارات الألمانية. وقال إن “الكابلات مصممة خصيصا للسيارات الفردية ولا يتم الحصول عليها بسهولة أو بثمن بخس من بلدان أخرى”. وعنصر نادر آخر بات أكثر ندرة فجأة وهو غاز النيون المستخدم في إنتاج أشباه الموصلات إذ تنتج أوكرانيا 50 في المئة من النيون المنقّى في العالم. فيما يمتد إنتاج روسيا من المواد الخام بشكل أعمق إلى الاقتصاد العالمي. وبحسب شركة إنتيروس لإدارة مخاطر سلسلة التوريد الأميركية فإن لدى أكثر من 2100 شركة أميركية و1200 في أوروبا موردا مباشرا واحدا على الأقل في روسيا، ويصل الإجمالي إلى 300 ألف عند تضمين الموردين غير المباشرين. وقالت جينيفر بيسجلي الرئيس التنفيذي للشركة “تعتمد الصناعات المتعددة على نفس المواد الخام ونسبة كبيرة منها تأتي من روسيا ولذلك نرى تأثيرا متتاليا هائلا على نظام يعرج بالفعل لسلسلة التوريد العالمية”.

وتعد المخاطر الاقتصادية والسياسية أكثر أهمية بكثير من أكبر مخاوف الاقتصادات الكبرى في العالم التي ظهرت في 2021 حيث يتنامى القلق من أن اللوجيستيات العالمية ستفسد أعمال تجار التجزئة وتنغّص معيشة المستهلكين. وتتزايد المخاوف الآن بشأن نقص الغذاء، فتكاليف المعيشة آخذة في الارتفاع بالمناطق الغنية والفقيرة على حد سواء حتى أن محاولة كبح التضخم باتت الشغل الشاغل للبنوك المركزية. كما أن التحولات طويلة المدى والمكلفة تتسارع أيضا. ويؤكد الاقتصاديون في غولدمان ساكس أن المخاطر الجيوسياسية الجديدة تجبر الشركات على تعزيز عملياتها ضد الاضطرابات العالمية من خلال إعادة التوطين والتنويع وزيادة المخزونات.

وتشعر التجارة بالفعل بتأثير العقوبات على موسكو وسد طرق النقل. ووفقا لشركة فوركيتس، وهي منصة رؤية لسلسلة التوريد، فقد انخفضت الواردات الروسية عبر جميع وسائل نقل البضائع بنسبة 62 في المئة خلال الشهر الأول من الصراع، بينما انخفضت الشحنات إلى أوكرانيا بنسبة 97 في المئة. وعلى الرغم من أن روسيا تمثل 5 في المئة من التجارة البحرية العالمية وأوكرانيا واحدا في المئة فقط، إلا أنه ظهر خطر متزايد من حدوث تباطؤ اقتصادي عالمي.

وفي حين يقول خبراء بنك باركليز إن “العالم يدخل حقبة جديدة من التقلبات المتزايدة للنمو والتضخم” حذرت شركة أليانز ريتسيرش من خطر أكبر من “ضربة مزدوجة” في التجارة العالمية هذا العام حيث أحجام أقل وأسعار أعلى.

وقلصت شركة كلاركسونس ريسيسرش البريطانية المتخصصة في تحليلات الشحن الأسبوع الماضي توقعاتها للتجارة العالمية هذا العام والعام المقبل. وقالت إن مؤشرات ازدحام الموانئ ترتفع مرة أخرى وإن الصدمات الأخيرة “تضخم نظام النقل البحري المعطل بالفعل”. ووفقا للبيانات التي جمعتها بلومبرغ، شهدت موانئ هامبورغ وبريمرهافن الألمانية ارتفاعات جديدة في ازدحام السفن هذا الشهر، بينما شهدت روتردام، أكثر بوابات القارة ازدحاما لحركة الحاويات، احتياطيا لسفنها في بداية الشهر يصل إلى أعلى مستوى له في 11 شهرا.

وتجعل التقلبات الراهنة أيّ عودة إلى الوضع الطبيعي غير محتملة هذا العام ما لم تحصل معجزة لاسيما وأن الشحن البحري الذي يعد العمود الفقري لحوالي 80 في المئة من التجارة العالمية كان مرهقا للغاية إلى درجة أن التكاليف تضاعفت سبع مرات عن مستويات ما قبل الوباء. ورغم انخفاض التكاليف خلال الأسابيع الأخيرة، لكن الخبراء يقولون إن الإرجاء ربما يعكس هدوءا موسميا قبل أن يرتفع الطلب على النقل والتكاليف مرة أخرى.

وتبدو محاولة توقع كيفية تأثير قيود العرض لمدة عامين على التضخم تحديا بالفعل لمحافظي البنوك المركزية، حيث قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) جيروم باول في مؤتمر صحافي في وقت سابق من هذا الشهر إن عزل روسيا عن الاقتصاد العالمي “سيعني المزيد من سلاسل التوريد المتشابكة”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالاستثمارات الأجنبية بالسعودية تحقق قفزة قياسية في 2021
المقالة القادمةمبادرة دولية لدعم قطاع الأغذية الزراعية في لبنان