خطّة تعافٍ اقتصادية أم خطّة قطع رؤوس؟

إثر تسرب مشروع خطّة التعافي الاقتصادية المزعومة الى وسائل الإعلام، بدأ الغليان يثور في أوساط المودعين، الذين عبّروا عن رفضهم القاطع لهذه الخطّة كما لمشروع قانون الكابيتال كونترول الذي يأتي كتمهيدٍ لها، ما أربك الحكومة والكتل النيابية التي نادى بعضها بإصدار قانونٍ عاجلٍ لحماية أموال المودعين.

المسألة ليست بهذه البساطة كما يتصوّر البعض، أو كما دفعت به مصالحه الخاصة، فالهيركات يشكّل اعتداءً صارخاً على ممتلكات شريحة واسعة من المواطنين، تلك التي نصّ الدستور اللبناني على حمايتها، لا سيّما الفقرة “و” من مقدمته والمادة 15 من بابه الأول – الفصل الثاني، وذلك بمعزل عن حجم هذه الممتلكات أو نوعها أو قيمتها، وهو أيضاً مخالف للدستور لا سيما الفقرة “ج” من مقدمته التي تنصّ على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين. وفي هذه النقطة بالتحديد لا بدّ من الإضاءة على مجموعة عناصر تنسف مبدأ المساواة من أساسه وأهمّها:

أولاً: الهيركات أو الاقتطاع لن يطال سوى شريحة واحدة من المواطنين، وهي تلك التي وثقت بالدولة والمصارف أو التي وقعت في المصيدة، فيما سينجو منه جميع النافذين الذين سحبوا ودائعهم من المصارف أو هرّبوها إلى الخارج بعد 17 تشرين 2019، وأيضاً قبل هذا التاريخ، وذلك بناءً على معلومات تسرّبت إليهم حول احتمال حصول انهيارٍ وشيك للمالية العامة.

ثانياً: نصّ مشروع الخطّة المزعومة على حماية صغار المودعين، أي ضمان 100 ألف دولار في كلّ حساب، فهل المواطن الذي أفنى حياته في الاغتراب أو الداخل لجمع 500 الف دولار أو مليون دولار يعتبر من كبار المودعين؟ وهل يبقى أصلاً كبار المودعين أو متوسطوهم ،إذا تم تحديد السقف الأعلى بJ 100 الف دولار؟ وهل المقصود بهذه الذهنية المريضة استعادة النظام الشيوعي البائد؟

ثالثاً: ماذا عن الحسابات المشتركة للودائع؟ وهل من العدالة في شيء إذا كان أربعة أشخاص مثلاً يملكون وديعة في حساب واحد، أن يتمّ التعامل معهم كشخص واحد؟ وماذا لو قام صاحب وديعة فرضاً واستدراكاً منه للاقتطاع المحتمل بتوزيع وديعته على أفراد عائلته وأقاربه بحيث لا تتعدّى قيمة كلّ جزء منها الحدّ المعفى من الاقتطاع أي الـ100 ألف دولار؟ إنها تماماً كألعاب الحظّ والقمار التي لا تمتّ إلى المنطق والعدالة بصلة.

رابعاً: على أيّ أساس تمنع الخطّة استخدام التحويلات والشيكات المصرفية بين المواطنين على الرغم من الخسارة الجسيمة التي يتكبّدونها، خصوصاً وأنّ هذه الوسيلة بقيت المتنفس الوحيد لديهم، في ظلّ الانهيار الاقتصادي وحجز الودائع؟ ثم لماذا اعتبار التحويلات المالية على الحسابات بعد 31/03/2022، غير داخلة في أصل الودائع؟ وهنا، تُطرح علامة استفهامٍ كبرى، عن الجهة المستفيدة من تحديد هذا التاريخ، خصوصاً وأنّ هناك من يشير إلى قيام جهات معيّنة بشراء شيكات مصرفية بنسبة 15% قبل التاريخ المذكور، تماماً كما حصل قبيل صدور التعميم 161، عندما أقدمت جهات علمت بالموضوع على بيع كميات هائلة من الدولارات على سعر 33 ألف ليرة للدولار، ثم عادت واشترتها على سعر 20 الف ليرة وأكثر قليلاً، محقّقة بذلك أرباحاً طائلة.

خامساً: هل مسؤولية سداد ديون الدولة تقع على عاتق المودعين فقط، أم على عاتق الشعب اللبناني بأسره وبالتالي على عاتق الدولة نفسها؟ ألم يستفد اللبنانيون جميعاً من هذه الديون بشكل أو بآخر، سواء من خلال إعادة إعمار البلاد بعد الحرب الأهلية، أو من خلال تثبيت سعر صرف الليرة قسرياً طوال سبعة وعشرين عاماً، والاستفادة من دعم الكهرباء والمحروقات، ومن المجالس والهيئات والصناديق التنفيعيّة والتوظيف العشوائي، ودعم قروض الإسكان التي تجاوزت الـ 200 ألف قرض سكني، بالإضافة إلى قروص مؤسسة إيدال والقروض الشخصية وغيرها…

سادساً: قد يقول قائل إنّه لم يبق من أموال المودعين سوى نسبة محدودة، وبالتالي فإنّ الخطّة هي أفضل الممكن بمعزل عن العدالة، والجواب بالتأكيد لا، فالهيركات يعني القضاء على الأمل نهائياً لدى المودعين باستعادة ودائعهم تدريجياً ولو بعد سنوات عديدة، إذا تحسّنت الأوضاع الاقتصادية مستقبلاً، ولا سيّما مع بدء استخراج الغاز والنفط. وهنا تبرز أهمية إقرار قانون حماية الودائع.

ممّا سبق، يتبيّن بشكلٍ واضح أنّ الخطّة برمّتها، هي شكلٌ من أشكال “البلطجة” على المال الخاص، بعد أن أمعن من يقف خلفها في نهب المال العام، وبالتالي ستؤدّي إذا تمّ فرضها الى تقويض ما تبقى من دعائم الدولة والاقتصاد الوطني الحر والقطاع المصرفي، وهي إلى جانب ذلك كلّه، لن تسهم إطلاقاً في توفير العملات الصعبة التي يحتاجها لبنان، فالقروض – الديون التي وعد بها صندوق النقد الدولي لن تسمن أو تغني من جوع، بل ستتبخر سريعاً كما تبخّرت سابقاتها، لنكون لاحقاً أمام خسارتين عظيمتين، الثقة والمال.

باختصار، إنّها اسم على غير مسمّى، إنّها خطّة قطع الرؤوس.

مصدرنداء الوطن - دانيال الحداد
المادة السابقةحبيب: قرض “الصندوق العربي” يوسّع رقعة تسليفات مصرف الإسكان
المقالة القادمةإستمرار عمل المجلس الحالي للصندوق الوطني للضمان