خناق دولي وثيق يُطوّق أعناق المصارف ومصرف لبنان

من بين تلك الضغوط ما هو آت لا محالة من صندوق النقد الدولي، إضافة الى وزارة الخزانة الأميركية المهتمة تاريخياً بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب في لبنان، و الآن تضع على أجندتها مكافحة فساد السياسيين في النظام المصرفي. إلى ذلك، تسعى مجموعة العمل المالي الدولي (فاتف) حثيثاً لمراجعة تصنيفها للبنان على صعد تمويل الارهاب وتبييض الأموال. ولا ننسى الضغوط على المصارف اللبنانية في الخارج، كما قضية ملاحقة رياض سلامة في عدد من الدول الأوروبية.

تستأنف هذا الأسبوع، مبدئياً، المناقشات مع صندوق النقد الدولي في جولة جديدة تمتد 15 يوماً، بعد فشل جولات سابقة شهدت ضعف فريق التفاوض اللبناني من جهة، وعدم مقاربته الجريئة للاصلاحات المطلوبة الا بجزء يسير منها من دون الالتفات إلى الأكثر صعوبة من جهة أخرى، والاكتفاء بالتركيز على كيفية مقاربة توزيع الخسائر والتخبط في “اختراعات” رد الودائع دون غيرها من العناوين الاصلاحية الملحة.

اللافت هذه المرة ان صندوق النقد سيتولى مباشرة نقاش ملفات من اختصاص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعدما ماطل الأخير أكثر من سنتين ممانعاً الخوض عميقاً في صلب معالجة تبعات ما اقترفته الحاكمية برعاية أطراف في المنظومة السياسية من أخطاء وخطايا مالية ومصرفية ونقدية. ممانعة اتسمت بأسلوب تمييعي ليعم الدمار وتضيع المسؤوليات ربما!

نقاشات هذه الجولة ستشمل الاطار المطلوب لاعادة هيكلة القطاع المصرفي والرقابة عليه، مع ما يعني ذلك من قوانين وتشريعات وقرارات جذرية تضع حداً للفوضى العارمة في هذا القطاع المتعثر، إن لم نقل المفلس، في جانب كبير منه. وعلى جدول المناقشات أيضاً مشروع وضع قانون لضبط السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول)، الذي تقاعس البرلمان اللبناني عن أولويته لغاية في نفس يعقوب، وكان يفترض اقراره منذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة، لكن المنظومة المتسلطة آثرت التمييع حتى يستطيع النافذون والمتسلطون تهريب اموالهم الى الخارج. وغني عن القول أن لا تقدم حقيقياً سيتحقق مع صندوق النقد من دون الاسراع في اقرار قانون “كابيتال كونترول” سيشمل أيضاَ حسابات ما يسمى بـ “الفرش دولار” بشكل أو بآخر.

الى جانب صندوق النقد، تتولى جهات أجنبية أخرى محاولات ضبط الوضع المصرفي اللبناني المتفلت من أي تنظيم سليم ورقابة فعالة بنتيجة تداعيات الأزمة وتقاعس مصرف لبنان عن القيام بدوره كما يجب وفقا لقانون النقد والتسليف. وكان لافتاً البيان الأخير للخزانة الأميركية في تعبيره عن المخاوف من انتهاكات داخل القطاع المصرفي ارتكبها ( ويرتكبها) عدد من اطراف النخبة (الطغمة؟) السياسية الحاكمة، مع التشديد على ضرورة بذل جهود جادة من قبل مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة التي يرأسها الحاكم نفسه أيضاً. فسارع سلامة الى التذكير بالتعميم الخاص بالطلب من المصارف العمل مع عملائها النافذين (PEPs ) على رد نسبة من الأموال التي حولوها الى الخارج ليس من 2019 بل حتى من 2017. عمر ذلك التعميم حامل الرقم 154 أكثر من سنة ونصف السنة، ولم يتابع سلامة فرض تطبيقه على البنوك طيلة تلك الفترة المديدة جداً على نحو مقصود ومريب في هكذا حالات يفترض أنها طارئة. وفجأة تذكر سلامة التعميم المذكور بعد بيان الخزانة الأميركية الذي حمله المسؤولية بشكل غير مباشر عندما طلب بذل جهد اضافي من مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة بشأن الانتهاكات التي يمارسها السياسيون في القطاع المصرفي.

الى تلك المحاصرة الدولية، تضاف القضايا المرفوعة ضد رياض سلامة في عدد من الدول الأوروبية خصوصاً سويسرا واللوكسمبورغ وفرنسا، والتي باتت مقتنعة بعقم تعاون القضاء اللبناني المتقاعس في جزء منه عن القيام بما يجب لاستكمال التحقيقات محلياً، وتسليم الجهات الدولية المدعية نتائح استكمال الاستقصاءات لمقابلتها مع عناصر الادعاء بشبهات الاختلاس وتبييض الاموال.

خلاصة القول أن شراء الوقت الذي مارسه حاكم مصرف لبنان بحماية وطلب رعاته وحماته السياسيين يشرف على فقدان رصيده. فاذا كانت المماطلة والمواربة والتمييع نفعت منذ سنوات، ها هي اليوم تصطدم بقرار دولي متعدد الأبعاد لإعادة تنظيم هذه الفوضى اللبنانية المصرفية العارمة، وربما محاسبة بعض مرتكبي موبقاتها.. من يعلم؟

 

مصدرنداء الوطن - منير يونس
المادة السابقةإعادة هيكلة المصارف… كيف نُحيي العظام وهي رميم؟
المقالة القادمةموازنة 2022 أبعد ما يكون عن الإصلاح المالي والضريبي