سلامة يتحكّم بالسوق السوداء: انخفاض الدولار “تلاعب” مؤقت

بدا القرار الذي أصدره حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مساء يوم الأحد 23 تشرين الأول، فريداً من نوعه. فالحاكم قرّر “بيع الدولار الأميركي حصراً، عبر منصة صيرفة، ابتداءً من يوم الثلاثاء المقبل. ولن يكون شارياً للدولار، من حينه وإلى إشعار آخر”. وعملية البيع تعني ضخ الدولارات الذي يتبعه انخفاض لأسعار السوق الموازية. لكن القرار ليس فريداً ولا جديداً، بل هو استنساخ لما سبق. ولذلك، فإن انخفاض الأسعار من نحو 40 ألف ليرة إلى نحو 36 ألف ليرة، هو انخفاض مؤقّت. والأهم، أنه انخفاض بلا مفاعيل جدية.

تكرار لما سبق

قرار سلامة الهشّ، ينطوي على تلاعب بالعبارات للإيحاء بإنجاز ما. فالحاكم، وفق القرار، لن يشتري الدولارت عبر المنصة، أي لن يجمعها من الصرافين والمؤسسات وشركات تحويل الأموال.. وغيرها. مع أن الدولار لم يُشرَ يوماً من تلك الجهات على أساس سعر المنصة، بل على سعر السوق الموازية. فمنذ إطلاق المنصة، عَرَضَ الصرافون وشركات التحويل شراء الدولار من المواطنين بسعر يقل عن سعر السوق، ولم تلقَ هذه الخطوة نجاحاً. وعليه، فإن قرار وقف الشراء، هو في الجوهر، وقفٌ لشرائه بسعر السوق، وليس المنصة، فينخفض بذلك سحب الدولار من السوق لصالح مصرف لبنان الذي يشتري تلك الدولارات.

وهذه الخطوة سبقتها دعوى من سلامة، في أيار الماضي، موجّهة للأفراد والمؤسسات تحثّهم على طلب الدولار عبر المنصة “على أن تتم تلبية هذه الطلبات كاملة في غضون 24 ساعة”. وعلى الفور، بدأ انخفاض سعر الدولار تدريجياً من نحو 38 ألف ليرة ليستقر على نحو 28 ألف ليرة. وبدورها، لم تكن تلك الدعوة جديدة، لأن عملية إطلاق المنصة، هي بحدّ ذاتها، دعوى للحصول على الدولار الذي سيؤمّنه مصرف لبنان. فلا داعي للتذكير دائماً بأن المصرف المركزي سيؤمّن الدولارات بسعر المنصة.

ولأن التجربة مكَرَّرة، من المنتظر عودة الدولار إلى الارتفاع، وإن كان موعد تلك اللحظة مجهولاً. وتالياً، لم تشهد عملية بيع الصرافين للدولارات، تسارعاً، رغم تراجع الأسعار.

غياب المفاعيل

لا يثق التجّار بالانخفاض الذي يعقب قرارات سلامة. الأمر الذي يُبقي أسعار السلع والخدمات مرتفعة وغير متوافقة مع سعر الدولار. وفي ظل ارتفاع الأسعار واضمحلال القدرة الشرائية للرواتب والأجور، فإن معدّلات التضخّم تبقى مرتفعة. وهذا الواقع يبرهن عدم فعالية قرارات سلامة ووهميّة انخفاض الدولار، في حين كان من المفترض بالتراجع، تخفيف الضغط عن السوق وإيصال الدولارات إلى التجّار، وانعكاس ذلك على أسعارهم.

الحدّ من المفاعيل، ينسحب أيضاً على عدم ارتباط إجراءات سلامة بعملية إصلاح حقيقية. فحتى وإن افترضنا سعي الحاكم لإحلال الهدوء في السوق، فإن غياب التشريع القانوني الإصلاحي، هو الحدث الأهم، وهو ما يُبقي قرارات سلامة محدودة ولا تندرج في إطار حلّ الأزمة، بل على العكس، إن القرارات وتقلّب أسعار الدولار دورياً، تساهم في تنشيط السوق السوداء والمضاربة على الليرة.

منذ ثلاث سنوات، وَضَعَ سلامة الخطوط العريضة لحركة الدولار ودور المصرف المركزي في التحكّم بها. علماً أنه حاوَلَ نَفض يده من العملية، معتبراً أن الدولار سلعة لا يمكن للمركزي التحكّم بأسعارها، لأنه ليس هو مَن يطبعها. ليتبيَّن مع الوقت، أن شراء وبيع الدولار يتم بإدارة المركزي وتوجيه منه. وبعبارة واحدة تصدر مساء يوم عطلة لا عَمَلَ رسمياً خلاله ولا تداولَ فيه على منصّة صيرفة، تتحرّك الأسعار هبوطاً بمعدّل كبير ومتسارع، ثم بعد فترة تتصاعد الأسعار دورياً.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةسوريا:نحو منح المصرف المركزي..صلاحية طباعة عملات ورقية حتى 50ألفاً
المقالة القادمةبين سمسرات السياسيين والانهيار الاقتصادي.. مَن يضمن غاز لبنان؟