ضحايا المصارف: يأس وإحباط… وحالة إنكار

كان للانهيار الاقتصادي وقع كبير على مجمل اللبنانيين، ما أثّر في سلوكهم ونمط حياتهم واتزانهم النفسي، بعدما حوّل غالبيتهم فقراء يسعون وراء تأمين الغذاء والدواء وإيجار المنزل. الأثر الأشد وقع على المودعين الذين خسروا أموالهم وجنى أعمارهم واستفاقوا على تعاميم تسمح لهم بالحصول على فتات أموالهم بالقطارة. هناك من سلّم بالخسارة وهوّن من وقعها على قاعدة أن «المصيبة جماعية»، وهناك من يعيش حال إنكار ولا يريد التصديق أن جنى سنين من الاغتراب أو العمل ضاع. وما بين الحالتين هامش واسع من ردود الأفعال التي تحاول إيجاد توازن جديد مع واقع متدحرج.

وفق المحامية في رابطة المودعين دينا أبو زور فإن «الأكثر تأثراً في فئة المودعين هم الأصغر سناً ممن ضاع مستقبل كانوا يحلمون به، وكبار السن الذين لم يستوعب كثر منهم ما حصل ولا الأسباب التي تمنعهم من سحب أموالهم»، لافتة إلى كثيرين من هؤلاء «يعيشون حالة إنكار. لا يعترفون بتعاميم المصرف ويستفسرون يومياً عن طرق وأساليب تخوّلهم استرداد أموالهم. في المقابل هناك مودعون يتصلون بالرابطة عند صدور أي تعميم أو حدث ليؤكدوا أن لا داعي لأي جهد لأن الأموال طارت».

كل فرد تعاطى مع الانهيار بطريقة مختلفة تبعاً لصورته التي كوّنها عن نفسه وفق الأستاذ في علم الاجتماع زهير حطب. «فالإنسان ليحقق التوازن مع صورته القديمة بعد التعرض للانهيارات يعتمد في ذلك آليات صادقة أو كاذبة مع الذات والآخرين، وهذا ما يفسّر لجوء البعض إلى سلوكيات هروبية، كصرف المال من دون تفكير والمبالغة بالاهتمام المظهر ولو على حساب الإنفاق على المأكل مثلاً لإنكار الواقع المستجد. وعلى سبيل المثال، من يتقاضى أمواله باللولار صار يصرف من دون وعي كآلية دفاعية وتعويضية عن الخسارة وعدم تأجيل السعادة، أو كطريقة من التعامل بلامبالاة إزاء ما صارت إليه الحال، لأن كلو رايح وخربانة خربانة. هذا يظهر أكثر عند من صورته عن نفسه تشكّلت من خلال موقعه الوظيفي. ولذلك كثيرون من هذه الفئة، حفاظاً على المكتسبات الاجتماعية، إما أقدموا على الهجرة أو يتصرفون بإنكار ولا مبالاة ونزوع نحو الفردية الأنانية وأفكار عظمة أو يشعرون بحاجّة ملحة للانتقام، أو بفقدان الأهمية والأمل وتراودهم أفكار الانتحار».

ما يفاقم الأمور عند كثيرين ويزيدها صعوبة، وفق دندشلي، أن «لا أيديولوجيا لدى كثير تساعدهم على الصمود. حتى الأب في المجتمع البطريركي الذي يشد من أزر الناس لم يعد موجوداً بالنسبة لكثيرين. هؤلاء هم إما اتجهوا نحو الانكفاء أو التهجم أكثر. أما من بقيت لديه صورة الأب الرمز القائد ومن ينتمي إلى حزب سياسي فإن حالته الشعورية أفضل ممن خرج من تحت هذه المظلة».

مصدرجريدة الأخبار - رحيل دندش
المادة السابقةأطفال يعيلون أسرهم… والجمعيّات
المقالة القادمةارتفاع سعر ربطة «الخبز اللبناني» الكبيرة إلى 10 آلاف ليرة