فاتورة الانهيار المالي عنوان صدام جديد بين اللبنانيين والحكومة

واجه الحكومة اللبنانية الجديدة أكبر اختبار لها مع تزايد التركيز على فرضية مناقشة كيفية توزيع الخسائر الضخمة المنجرة عن الأزمة المالية بعدما دفع السكان ثمنا باهظا وهم يشاهدون المدخرات تتبخر والعملة تنهار والسلع الأساسية تختفي من على أرفف المتاجر.

وغرق لبنان أكثر في الأزمة بلا خطة ولا حكومة منذ أكتوبر 2019 إلى أن أنهى السياسيون المتناحرون المنتمون إلى طوائفهم عاما من المشاحنات واتفقوا على حكومة جديدة هذا الشهر. ويحتاج رئيس الوزراء الجديد رجل الأعمال الملياردير نجيب ميقاتي وحكومته إلى إدراك حجم الخسائر والعمل على كيفية تقسيمها للوفاء بوعد للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي للإصلاحات الاقتصادية. وانهار النظام المالي بسبب عقود من الفساد والهدر في الدولة والطريقة غير المستدامة التي كان يجري تمويلها بها. وكان المفجر هو تباطؤ تدفقات العملة الصعبة إلى النظام المصرفي الذي أفرط في إقراض الحكومة. وقد تكون لميقاتي فرصة أفضل في محادثات صندوق النقد الدولي مقارنة بسلفه. وهو ما يعود إلى أسباب منها أن هناك الآن إقرارا سياسيا أوسع، بما في ذلك داخل جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران، بأن إبرام صفقة مع صندوق النقد هو الطريق الذي لا مفر منه للإنقاذ.

وفي ظل النقص الحاد في الوقود والأساسيات الأخرى وصولا إلى خفض فعلي بنسب تصل إلى 80 في المئة لقيم المدخرات في نظام مصرفي فقد قيمته، يقول كثيرون إن الأزمة تسببت في ألم يفوق حتى أصعب برنامج إصلاح يمكن تخيله من صندوق النقد الدولي.

وتقول مصادر إن عددا من الإصلاحات التي قد يسعى لها صندوق النقد، والتي تشمل خفض الدعم وتوحيد أسعار الصرف المتعددة في الاقتصاد اللبناني الفوضوي القائم على النقد، صارت حقائق بالفعل في ظل شح العملة الصعبة. ومع ذلك لا يزال المحللون متشككين بشدة في إمكانية شروع الحكومة، التي جاءت من رحم نفس النخب السياسية التي قادت لبنان إلى أزمته وسمحت لها بالتفاقم، في إصلاحات مهمة، حتى لو تمكنت من بدء مفاوضات مع صندوق النقد أو حل مشاكل مثل نقص الوقود.

وينتقد البنك الدولي لبنان لافتقاره “المتعمد” إلى وجود سياسة اقتصادية واضحة المعالم، وعلاوة على ذلك لا يتبقى أمام الحكومة سوى 8 أشهر قبل انتخابات ستكون الشغل الشاغل للأحزاب الرئيسية. ويقول البنك الدولي إن هذا من أشد حالات الكساد منذ منتصف القرن التاسع عشر، إذ انكمش الناتج المحلي الإجمالي 40 في المئة بين 2018 و2020. وحتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين 1975 و1990 استمرت قدرة البنوك على السداد والعمل.

وقد يكون من الصعب إزالة العقبة الأولى أمام إبرام صفقة مع صندوق النقد، وهي الاتفاق على توزيع الخسائر؛ فقد واجهت خطة العام الماضي معارضة من الأطراف المعنية التي كان من بينها البنوك. وقال بنك غولدمان ساكس في تقرير إن التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة من المرجح أن “يكون من الصعب تحقيقه، ويمثل عقبة حرجة على الطريق نحو التعافي”.

لكن مصدرا ماليا مطلعا على عمل صندوق النقد في لبنان قال لوكالة رويترز إن “هناك مجالا للتوصل إلى تسوية بشأن الخسائر وزخم كبير لصفقة الصندوق، مما يعني أن هناك احتمالا أكبر بكثير للتوصل إلى اتفاق”.

وبينما لا تزال بعض البنوك تأمل في أن تتبخر ديونها من خلال تحويل الودائع بالدولار إلى الليرة، قال المصدر إن “البنوك أكثر استعدادا للإقرار بالحاجة إلى إعادة هيكلة مناسبة”. وأضاف “ليس علينا أن نتحول إلى فنلندا أو السويد للوصول إلى برنامج صندوق النقد… علينا القيام بالحد الأدنى المطلوب، بما في ذلك الإقرار بالخسائر في القطاع المصرفي والبنك المركزي والاتفاق على توزيع عادل لهذه الخسائر”. وأشار إلى أنه يتعين أيضا تمرير قانون مراقبة رأس المال وتوحيد أسعار الصرف.

وأبدى صندوق النقد استعداده للتعامل مع حكومة ميقاتي التي قالت إنها ستجدد وتطور خطة العام الماضي، حيث تتضمن أرقاما لاقت قبولا من صندوق النقد الدولي. وكانت تلك الخطة قد أثارت غضب البنوك، ويرجع ذلك إلى أسباب منها وجود مخصصات لإنقاذ مالي من المساهمين سيشطب رؤوس أموالهم. وردت البنوك باقتراحها الخاص، والذي شمل إنشاء صندوق أصول حكومي حجمه 40 مليار دولار للمساعدة في تسوية الديون. كما تمسك رياض سلامة، محافظ المركزي منذ 1993، بموقفه بشأن الخسائر في العام الماضي، وخرج مشرعون يمثلون الفصائل داخل النخب الحاكمة بأرقام تتراوح بين ربع ونصف المبلغ الذي تشير إليه الخطة. ومن المتوقع أن يعمل وزير المالية الجديد يوسف خليل المسؤول السابق في المركزي مع إدارة المصرف بشكل أفضل للاتفاق على الخسائر.

وقال آلان عون، العضو البارز في التيار الوطني الحر الذي أسسه عمه الرئيس ميشال عون، “نحن في حاجة ماسة للحصول على الدولارات. صندوق النقد يعد بالمساعدة، لكنها مشروطة بالانخراط في خطة مالية. سيكون الجميع مضطرا إلى الموافقة هذه المرة”.

لكن الحكومة تواجه تشككا هائلا؛ فبرنامجها لم يقدم تفاصيل كافية بشأن الإصلاحات الرئيسية التي يسعى لها المانحون، والتي تشمل إصلاح قطاع الكهرباء الذي تديره الدولة والذي يستنزف المالية العامة ولا يزال حتى الآن لا ينتج أي كهرباء تذكر.

وشكك نديم حوري، المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي، في أن تتواصل الحكومة الجديدة بجدية مع صندوق النقد. وقال “أسمي هذه حكومة ترميم لأنها من المفترض أن تحسن صورة الأحزاب التقليدية قبل الانتخابات المقبلة”. وأوضح أنها ستكون قادرة على إنفاق أكثر من مليار دولار توجه إلى لبنان في إطار تخصيص عام لحقوق السحب الخاصة في صندوق النقد. وقال “سيحققون الاستقرار في البلاد ويروجون لذلك تحت اسم الإصلاحات”.

 

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالاقتصاد العالمي في قلب معركة تجارية جديدة اسمها المعادن النادرة
المقالة القادمةمصادر الشركات المستوردة للنفط: سنشهد إنفراجاً على صعيد المحروقات بدءًا من الأسبوع المقبل