لبنان يقدم وعودا غير واقعية في كفاحه لترقيع أزماته الاقتصادية

رسّخت التجاذبات السياسية والمحاصصة الحزبية والفساد وسوء إدارة الأزمات وجهها القاتم على الاقتصاد اللبناني، ما انعكس سلبا على كافة مؤشراته حتى بعد تقديم المسؤولين وعودا تبدو متفائلة للحصول على خط ائتمان من صندوق النقد الدولي.

وتتبلور التقييمات السلبية في مجملها حول انهيار الليرة والسقوط الحر لاحتياطات العملة الصعبة وتراجع معدلات النمو، وسط شكوك المحللين حول مدى قدرة البلد على الصمود أكثر أمام هذه الأوضاع إن لم يحصل على مساعدة من المانحين.

ويُنظر إلى برنامج صندوق النقد على أنه حاسم بالنسبة إلى لبنان للبدء في الخروج من أزمة مالية طاحنة تركت معظم الناس فقراء، بسبب الإصلاحات العميقة التي قد ينطوي عليها البرنامج والتمويل الدولي الذي يمكن أن يفتحه.

وتبدو الوعود التي قدمها نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي الأربعاء الماضي أثناء اجتماع مع دائني لبنان متفائلة كثيرا، خاصة وأن تنفيذها قد يتعرض لمفاجآت بالنظر إلى صعوبة تحقيقها على النحو المطلوب.

وتتوقع الحكومة أن تخفض الدين العام للبلاد إلى نحو مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2026، وإلى 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2032.

وتشير التقديرات الدولية إلى أن الدين العام للبلاد وصل بنهاية العام الماضي إلى نحو 360 في المئة مما يجعله من بين أعلى المستويات على مستوى العالم.

ومن بين الخطوات الأخرى التي تريد بيروت القيام بها استكمال التدقيق في وضع الاحتياطات النقدية للمصرف المركزي، وهو شرط أساسي لصندوق النقد بحلول يونيو المقبل.

وأشار الشامي إلى أن الاحتياطي الأجنبي لدى المركزي انخفض من 30 مليار دولار في 2018 إلى 12 مليار دولار بنهاية العام الماضي، وقدّر أن يكون حاليا بحدود 11 مليار دولار.

وشهدت البلاد أزمة سياسية واقتصادية منذ نهاية 2019، تسببت في انهيار الاقتصاد وتزايد معدلات الفقر، وعجزا ضخما في ميزان المدفوعات.

واندلعت شرارة الأزمة المالية غير المسبوقة بسبب السحوبات الكبيرة من الودائع، وأعقب ذلك تخلف الدولة عن سداد استحقاق سندات اليورو.

وجاء تفشي الوباء في مارس 2020 ثم انفجار مرفأ بيروت في أغسطس من العام ذاته ليفاقما تردي الوضع، في وقت لم تتخذ فيه الحكومات المتعاقبة أي إجراءات ملموسة تضع حدا للتدهور وتخفّف من معاناة السكان الذين بات أكثر من 80 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر.

وتخلف لبنان الذي كان يرزح تحت دين بقيمة 92 مليار دولار، أي 170 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، عن سداد ديون خارجية في السابع من مارس 2020 بقيمة 1.2 مليار دولار للمرة الأولى في تاريخه. وبعد أسبوعين أعلنت وزارة المالية “التوقف عن دفع جميع سندات اليوروبوند المستحقة بالدولار”.

وفي ظل تلك الوضعية أعلن لبنان في نهاية أبريل 2020 خطة إنعاش اقتصادي وطلب مساعدة صندوق النقد الدولي. وبعد نحو أسبوعين انطلقت المفاوضات بين الطرفين، إلا أنها توقفت في صيف ذلك العام بعد 17 جلسة جراء خلافات بين الفرقاء اللبنانيين أنفسهم.

وعلى وقع الانهيار الذي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850، فقدت الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار وقفزت أسعار المواد الغذائية بمقدار 11 مِثْلا.

كما تراجعت قدرة الدولة على توفير الخدمات الرئيسية من كهرباء ووقود وطبابة جراء تضاؤل الاحتياطي بالعملات الأجنبية في المصرف المركزي.

وانهارت كذلك القدرة الشرائية للسكان الذين باتوا عاجزين عن سحب ودائعهم جراء قيود مصرفية مشددة. وخسر عشرات الآلاف منهم مصادر دخلهم في وقت صار فيه الحد الأدنى للأجور يعادل 25 دولارا فقط.

واختارت فئات واسعة من الطبقة الوسطى والاختصاصيين من مدرسين وأطباء وممرضين طريق الهجرة، بحثاً عن بدايات جديدة.

وبعد جولات تفاوض مع الجانب اللبناني أعلن صندوق النقد مطلع أبريل الماضي التوصّل إلى اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات.

لكنه شدّد على أن موافقة إدارة الصندوق ومجلس إدارته على خطة الدعم رهن بتنفيذ جميع الإجراءات المسبقة وتأكيد الدعم المالي للشركاء الدوليين.

ويتوقع الشامي، الذي يتولّى أيضاً رئاسة اللجنة الوزارية المكلفة بالتفاوض مع صندوق النقد، أن يبلغ المعدل المتوسط للنمو الاقتصادي في لبنان على مدى السنوات الأربع المقبلة 3.3 في المئة.

وبحسب وكالة بلومبرغ كشفت وثيقة خطة تعافي اقتصاد لبنان، وهي قيد المناقشة في مجلس الوزراء حاليا، عن اتجاه لإنشاء هيكل نقدي جديد لاستعادة الثقة وكبح التضخم البالغ بنهاية أبريل الماضي 208 في المئة ودعم سعر الصرف ووضع آلية شفافة تعتمد على السوق في تحديد أسعار الفائدة والصرف.

وأشارت الوثيقة إلى أن نظام الصرف الحالي لم يعد مستداما وأصبح معقدا ومشوّها بسبب تعددية أسعار الصرف، كما صار عرضة لسوء الاستخدام نظرا لافتقاره إلى الشفافية والوضوح.

وتشكّل إعادة هيكلة القطاع المصرفي تحديا كبيرا واعتبرها صندوق النقد أساسية لدعم النمو، إلا أن إقرار الخطة دونها عقبات، في ظل تداخل مصالح الطبقة السياسية مع أصحاب المصارف.

ويشدد الشامي على أنه يتعيّن على لبنان “قبل كل شيء أن يظهر التزاماً ومصداقية في ما يتعلق بالإصلاحات قبل أن يلتزم المجتمع الدولي بأي دعم مالي”.

وأفاد تقرير مستقل للأمم المتحدة الأربعاء الماضي بأن الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي ارتكبا انتهاكات عندما تسببا في تفقير الناس من خلال “تدمير” اقتصاد البلاد “بقسوة”.

وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص لمكافحة الفقر أوليفييه دي شوتر إن “الحكومة والمصرف المركزي فشلا في تأمين حقوق اللبنانيين في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ومستوى معيشي لائق على مدى فترة التراجع المستمر منذ ثلاث سنوات”.

وأضاف أن هذه الأزمة “نتيجة لسياسات حكومية فاشلة” وأن المسؤولين لم يقروا إصلاحات حتى بعد تدهور الوضع. وأكد أن “لديهم شعورا بالحصانة من العقاب وهذه مشكلة كبيرة للغاية”.

واعتبر دي شوتر أن صندوق النقد هو “الأمل الوحيد” بالنسبة إلى لبنان إذا كان بمقدوره المساعدة على تخفيف حدة الفقر المتفشي.

 

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةأسعار الغاز في أوروبا تحلق!
المقالة القادمةبيروت تمنح تراخيص لبناء 11 مزرعة شمسية